سحر ضو - خاص الأفضل نيوز
تعد اضطرابات الأكل في سن المراهقة من التحديات النفسية
والجسدية التي تتجاوز مجرد العادات الغذائية لتصبح صراعًا مع الذات والصورة الجسدية. ففي مرحلة حساسة تتشكل فيها الهوية، يصبح المراهقون أكثر عرضة للتأثر بالمقاييس المجتمعية للجمال، مما قد يدفع بعضهم إلى سلوكيات غذائية غير صحية، تختلف أعراضها وأسبابها ، لكن التأثير النفسي والجسدي يكون عميقًا، ما يطرح تساؤلات حول رأي أهل الاختصاص في أسباب هذه الاضطرابات وطرق علاجها، وكيف يمكن توفير البيئة الداعمة من قبل الأهل لمساعدة المراهقين على التعافي.
وفي هذا السياق، تؤكد أخصائية التغذية العلاجية د. صابرين بحمد القزاز في حديث خاص لموقع الأفضل نيوز أن اضطراب الأكل عند المراهقين هو مرض حقيقي يجب أخذه بعين الاعتبار، خاصة في ظل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار الصورة المثالية للأجسام. إذ يتأثر المراهقون، ولا سيما الفتيات، بهذه المعايير ويسعون لتحقيقها، مما قد يدفعهم إلى اتباع عادات غذائية مضرة دون إدراك العواقب. ويظهر ذلك من خلال مجموعة من المؤشرات التي تكشف عن معاناة المراهق، مثل تناول الطعام المصحوب بالتقيؤ، الإفراط في ممارسة الرياضة، فقدان الوزن السريع، تجنب تناول الطعام أمام الآخرين، البطء في الأكل، اللعب بالطعام بدلًا من تناوله، الانعزال، القلق، وقد يصل الأمر إلى الاكتئاب أو حتى التفكير بالانتحار.
وانطلاقًا من هذه المؤشرات، يبرز فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa) كأحد أكثر اضطرابات الأكل شيوعًا، حيث يتعمد المراهق تقليل السعرات الحرارية إلى حد خطير أو يمتنع عن الأكل لفترات طويلة، مما يؤدي إلى أعراض جسدية خطيرة مثل تساقط الشعر، الإغماء، ضعف التركيز، تأخر النمو، العصبية الزائدة، وتأثيرات سلبية على الدورة الشهرية لدى الفتيات.
وعلى الجانب الآخر، يظهر الشره المرضي
(Bulimia Nervosa)،حيث يتناول المراهق كميات كبيرة من الطعام ثم يتخلص منها بالتقيؤ القسري أو الإفراط في النشاط البدني، مما يؤدي إلى مضاعفات مثل تورم الوجه، تسوس الأسنان، وتلف الأعضاء الحيوية كالكبد والكلى والقلب.
وفي المقابل، يتجسد اضطراب الشراهة عند تناول الطعام (Binge Eating Disorder) في استهلاك كميات كبيرة من الطعام في الخفاء، دون تعويض ذلك بسلوكيات تعويضية مثل التقيؤ، مما قد يؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة مثل السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم.
وفي ظل تعقيد هذه الاضطرابات تقول" د.صابرين" بأن
التعامل مع المراهق الذي يعاني من اضطرابات الأكل يصبح تحديًا يتطلب الكثير من الذكاء فمن الضروري التصرف بهدوء وعدم الانفعال من قبل الأهل ، فذلك يسهم في التواصل المفتوح وبناء الثقة في تحسين الوضع.
كما أن تشجيع المراهق على تحضير وجباته بنفسه والتعرف على العادات الصحية اليومية يعزز ثقته بنفسه ويساعده على تجاوز هذه الحالة. وإلى جانب ذلك، فإن تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الغذاء، مثل الخوف غير المبرر من الكربوهيدرات، والتركيز على نظام غذائي متوازن يحتوي على الفواكه، الخضار، الألبان، البروتينات، الأسماك، والزيوت غير المشبعة، مع تقليل الدهون المشبعة وتجنب الأطعمة غير الصحية، كلها عوامل تسهم في تحسين العلاقة مع الطعام. كما أن الحرص على شرب كميات كافية من الماء وعدم البقاء لفترات طويلة دون طعام يمنع حدوث نوبات الشره غير المحسوبة.
أما عن خطورة هذه الاضطرابات،وآثارها الصحية
تقول د.صابرين: بأنها قد تصل إلى حد الحاجة للتغذية عبر أنبوب أنفي أو التغذية الوريدية في الحالات المتقدمة، مما يستدعي من الأهل الانتباه إلى أي سلوكيات غير طبيعية في عادات الأكل لدى أبنائهم.
فمع بدء متوسط عمر الإصابة بهذه الاضطرابات من 12 سنة ونصف، يصبح من الضروري غرس العادات الصحية والتوعية بمخاطر هذه السلوكيات لمنع تفاقم المشكلة. كما أن الحديث مع المراهقين عن تجارب مشابهة والتعامل مع الأمر بحكمة وهدوء يحدّ من تأثير الضغوط التي يتعرضون لها، خاصة أن حساسيتهم العالية تجعل العصبية تزيد المشكلة تعقيدًا بدلًا من حلها
الأهل ليسوا مجرد "مراقبين"، بل "خط الدفاع الأول" الاحتواء لا الانتقاد هو المفتاح، فهم أول من يلاحظ اضطرابات الأكل، وأول من يملك القدرة على كسر حلقتها قبل أن تترسخ.