كمال ذبيان - خاصّ الأفضل نيوز
كان لبنان خاصرة سوريا الضَّعيفة، فباتت هي خاصرته الضَّعيفة، منذ أن سقط النِّظام فيها، وتولَّت السُّلطة "هيئة تحرير الشَّام" برئاسة أحمد الشرع المعروف بـ "أبي محمد الجولاني"، الذي تزامن زحفه من إدلب إلى دمشق مرورًا بمحافظات حلب وحمص وحماه والسَّاحل السُّوري، فجر ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤، وهو اليوم الذي أعلن فيه اتفاق وقف إطلاق النَّار بين لبنان والعدوِّ الإسرائيليِّ، فبدأت فصائل "هيئة تحرير الشَّام" تحرُّكها العسكري، فلم تلق مواجهة ضدَّها من قبل الجيش السوري، ممَّا مكَّنها من استلام السُّلطة، وإزاحة الرئيس بشار الأسد عن الحكم، بعد أن أبلغته روسيا، بأنَّها لم تعد قادرة على حمايته، فنقلته إلى موسكو مع عائلته، وظهر بأنَّ سوريا سقطت كموقع في "محور المقاومة" الممتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، ولم تعد ساحات هذا المحور واحدة موحدة، فقطع خطّ إمداد السِّلاح من إيران إلى "حزب اللَّه"، الذي فقد حاضنة قومية له في سوريا.
في ظلِّ التَّطوُّرات المتسارعة التي أدَّت إلى إسقاط سوريا جيو - سياسيًّا من محور المقاومة، استغل العدوُّ الإسرائيليُّ، ما جرى، وقام بشنِّ اعتداءاته على المواقع العسكرية للجيش السُّوري على كامل الأراضي السُّورية، فنفَّذ حوالي ٥٠٠ غارة على مدى ٧٢ ساعة، دمَّر فيها كامل القدرة العسكرية للجيش السوري الذي حلَّته السُّلطة السُّورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، الذي لم يحرِّك ساكنًا لصدِّ العدوانِ الإسرائيليِّ، فاحتلَّ أراض سورية في القنيطرة وريفها، وتمركز في أعلى نقطة في جبل الشيخ، ووسع احتلاله باتجاه محافظتي السويداء ودرعا في الجنوب السوري.
فمع حلّ "سوريا الجديدة" برئاسة الشرع الجيش السُّوري على أنه من فلول النِّظام، وفَّر للعدوِّ الإسرائيليِّ أن يهدِّد وجود سوريا، ولتكون له ممرًّا إلى لبنان، بعد أن أصبح الجيش الإسرائيليّ على مقربة من دمشق، ومسافة قصيرة من الحدود السورية - اللبنانيةِ، ولم تعد سوريا العمق القومي للبنان، ولا الظهر الذي يستند عليه، في أي عدوان يستهدفه من قبل العدوِّ الإسرائيليِّ، وفق ما يؤكد خبير عسكري لبناني الذي يكشف عن أن الخطر الإسرائيليّ لم يعد فقط من الجنوب الذي تصدَّت له المقاومة في الحرب الأخيرة عليه، وعند الحافة الأمامية في البلدات المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، فلم يتمكن الجيش الإسرائيليّ من التقدم واحتلال أراض، عندما حاول التوغل نحو الخيام ومارون الراس وشمع وكفركلا وغيرها من القرى، ولم يفعل ذلك إلا بعد اتفاق وقف إطلاق النَّار.
فالخطر الإسرائيليّ على لبنان، بات يأتي من سوريا، ويمكن لجيش العدوِّ الإسرائيليِّ، إن قرر غزو لبنان، فإنه يتقدم على طريق دمشق - بيروت باتجاه الحدود، ويعبر منها باتجاه الأراضي اللبنانيةِ نحو البقاع الغربي ووسطه والشمالي، وفق الخبير العسكري الذي يشير إلى معركة السلطان يعقوب في أثناء الاجتياح الإسرائيليِّ للبنان، وكيف استبسل الجيش السوري للدفاع عن دمشق، من البوابة اللبنانيّة، التي كانت سوريا تخشى أن يغزوها العدوُّ الإسرائيليُّ منها، وحصل ذلك، لكن هذه المرة من الأراضي السُّوريةِ، باجتياز القنيطرة التي أوقفه فيها الجيش السوري في حرب تشرين عام ١٩٧٣.
فمن سوريا، قد يحصل غزو إسرائيليّ للبنان، بعد تدمير قوتها العسكرية وحل جيشها، وإعلان سلطتها الجديدة، بأنها ليست في حرب مع الكيان الصُّهيوني، وهي ملتزمة باتفاق ١٩٧٤ الذي أوقف القتال.
من هنا، فإن ما تطلبه إسرائيل وبدعم من أميركا، وهو نزع سلاح "حزب اللَّه" من كل الأراضي اللبنانيةِ، وتراهن بأنَّ لبنان سيقوم بهذه المهمَّة من خلال الجيش، بعد أن تعطيه الحكومة اللبنانية قرارًا بتجريد "حزب اللَّه" من سلاحه في جنوب الليطاني كما في شماله، وإن لم يتمكن، فإن الجيش الإسرائيليّ قادر على هذه المهمة، ويمكنه أن يصل إلى مخازن السلاح لـ "حزب اللَّه"، التي ما زال الطيران الإسرائيليّ يغير عليها كما يقول الإعلام الإسرائيليّ، لكن العمل من الجوِّ لا يكفي، وفق ما تكشف تقارير إسرائيلية، ولا بد من الدخول البرّي كما حصل مع الفصائل الفلسطينيّة في صيف ١٩٨٢.
هذا السيناريو مطروح إسرائيليًّا لكن تنفيذه يحتاج إلى قرار أميركي، بعد أن باتت سوريا خاصرة ضعيفة للبنان ومنها تغزو أراضيه.