عبدالحميد إسماعيل - خاصّ الأفضل نيوز
لطالما تغنّت الولايات المتحدة بأنها منارة الديمقراطية وحرية التعبير، لكنها اليوم تعيد رسم معايير الإقامة والانتماء وفق مصالحها السياسية، متجاهلة المبادئ التي قامت عليها. هذا التناقض تجلى بوضوح في قضيتَي محمود خليل، الشاب الفلسطيني الذي نجا من الترحيل بعد موجة احتجاجات عارمة، والدكتورة اللبنانية رشا علوية، التي تم ترحيلها بشكل سريع رغم وجود أمر قضائي فيدرالي يمنع ذلك. الحالتان تعكسان كيف أصبحت سياسات الترحيل سلاحًا لمعاقبة من يحملون آراءَ لا تتماشى مع التوجهات الرسمية لواشنطن.
محمود خليل: أيقونة نضال في أمريكا
في قلب الجامعات الأمريكية، ومن حرم جامعة كولومبيا على وجه الخصوص، كان محمود خليل، الطالب الفلسطيني الحاصل على الإقامة الدائمة، من الأصوات البارزة في دعم القضية الفلسطينية. قاد احتجاجات طلابية ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، لكنه سرعان ما وجد نفسه في مرمى سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعلن بنفسه، أمر اعتقاله وترحيله باعتباره "متورطًا في دعم خصوم أمريكا"، ويندرج هذا التوجه ضمن سياسته الجديدة لترحيل الأفراد الذين يُعتبرون داعمين لخصوم الولايات المتحدة.
إلا أن قرار الترحيل واجه مقاومة قانونية وشعبية.
قانونيًا: أصدرت محكمة فيدرالية أمرًا بوقف ترحيله، معتبرة أن ما حدث يمثل انتهاكًا لحرية التعبير.
وشعبيًا: خرجت مظاهرات ضخمة في عديد من الولايات شاركت فيها شخصيات بارزة للمطالبة بإطلاق سراحه، معتبرين أن ما يحدث هو استهداف مباشر لحرية التعبير.
المثير للسخرية أنه لو تم تطبيق السياسة الترامبية بصرامة، فلن يبقى في أمريكا سوى ترامب نفسه.
رشا علوية: الترحيل السريع رغم الأمر القضائي
على النقيض من محمود، لم تحظَ الدكتورة رشا علوية بفرصة لمراجعة قضيتها قانونيًا.
الأستاذة المساعدة في كلية الطب بجامعة براون والمتخصصة في زراعة الكلى، سافرت إلى لبنان لحضور جنازة أمين عام حزب الله "حسن نصر الله"، الذي وصفته الولايات المتحدة بأنه "إرهابي مسؤول عن مقتل مئات الأمريكيين على مدار العقود الماضية" وفقاً لبيان رسمي، وأن الحكومة الأمريكية اعتبرت أن دعمها العلني له يشكل سبباً كافياً لسحب تأشيرتها وترحيلها، مؤكدين أن "التأشيرة امتياز وليست حقًا". وكانت علويّة قد اعترفت خلال استجوابها من قِبل سلطات الجمارك بدعمها للحزب، ما كان كافيًا لإعادتها إلى بيروت عبر فرنسا في 16 آذار 2025، رغم صدور أمر قضائي في 14 آذار يمنع تنفيذ الترحيل الفوري.
هذه السرعة في تنفيذ القرار تكشف عن ازدواجية واضحة، حيث يتم اعتقال محمود بحجة "التأثير على الأمن القومي"، بينما تُرحَّل رشا دون انتظار المسار القانوني، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام الإدارة بالقوانين التي تدّعي الدفاع عنها.
حرية التعبير.. لمن؟
ما يحدث اليوم يعكس اتجاهاً خطيراً في السياسة الأمريكية، حيث لم يعد يُسمح بحرية التعبير إلا لمن يتفق مع السردية الرسمية. فمن يعبّر عن رأي مختلف، حتى لو كان سلميًا، قد يجد نفسه مهددًا بالترحيل أو الاعتقال. في ظل هذه السياسات، تتحول أمريكا من بلد يدافع عن الحريات إلى نظام يفرض رقابة صارمة على من يدخل أراضيه ومن يُسمح له بالبقاء فيها.
إلى أين تتجه أمريكا؟
بين اعتقال محمود وترحيل رشا، يظهر جليًا أن معايير الإقامة والمواطنة في الولايات المتحدة لم تعد قائمة على القانون، بل على الولاء السياسي. هذا التحول لا يهدد فقط المهاجرين أو أصحاب التأشيرات، بل يضرب جوهر الديمقراطية الأمريكية في مقتل. فإذا كانت واشنطن ستستمر في التعامل مع المعارضين بهذا الأسلوب، فربما يكون من الأنسب إعادة النظر في شعار "أرض الحرية"، لأنه يبدو أنه لم يعد ينطبق على الجميع.