نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
ماذا يريد الأميركيون من لبنان ؟ هل حقاً ما يريده الإسرائيليون ؟ على مدى الأشهر الفائتة طرحنا السؤال على جهات سياسية و ديبلوماسية ،غالباً ما كانت الأجوبة إما ملتبسة أو حائرة ، ما من مرة ومنذ أن بدأ زئيف جابوتنسكي ينشط داخل المؤسسة اليهودية ، أقرت هذه المؤسسة بأن لبنان دولة قابلة للحياة ، وكنا قد استعدنا وصف هنري كيسنجر له بـ"الفائض الجغرافي" الذي يمكن استعماله لمعالجة أزمات المنطقة (الوجود الفلسطيني على حساب اللاوجود اللبناني) ، ليعقبه وصف آرييل شارون للبنان بـ"الخطأ التاريخي" .
من يقرأ الأدبيات التي ظهرت بعد مؤتمر يال ، عام 1897 ، وإطلاق الحركة الصهيونية أن كل بلدان المشرق العربي نشأت خارج منطق الجغرافيا ، وخارج منطق التاريخ ، جابوتنسكي ، وفي كلام له قبل وفاته عام 1940 قال " خارج منطق وخارج ارادة يهوه"
بالنظرة إياها ، أن يصبح مصير تلك الدول مصير غزة "الأرض الخراب"ما يجعلنا نستذكر قصيدة الشاعر الأميركي ت . س . اليوت ، وبذلك العنوان ، وحيث "فتاة الزنبق تذوي وتموت يوماً بعد يوم" ،أليست اليوميات الفلسطينية هي يوميات الموت ويوميات الموتى ..؟
حقاً ، لماذا يفترض بإسرائيل أن تكون دولة مجنونة الى ذلك الحد (إسبارطة لا أثينا) . مصر ، الدولة العربية الكبرى ، عقدت معها اتفاقية كمب ديفيد ، الأردن ، بالكثافة الفلسطينية ،أبرم معها اتفاق وادي عربة ، منظمة التحرير الفلسطينية وهي حاملة الراية ذهبت الى أوسلو لتوقيع اتفاق أثبتت الأرض أنه ولد ميتأً وعاش ميتاً ،
من هنا بالذات نسأل ماذا تريد إسرائيل من لبنان ؟ عشية عملية "سلامة الجليل" عام 1982 ، والذي أعقب اجتياح 1978 أكد مناحيم بيغن ، ووزير دفاعه آرييل شارون أن الغاية من العملية تدمير الآلة العسكرية لمنظمة التحرير التي ارتحلت برئيسها ومقاتليها الى دول عربية بعيدة ، لكن إسرائيل بقيت ، دون أي مبرر أمني أو سياسي على الاطلاق ، لا بل أنها أنشأت ميليشيا محلية شاركتها في حواجز الاذلال عند مداخل الجنوب ، وأقامت معتقلاً بكل الموصفات النازية ليتداخل ذلك مع قصف البلدات والمدن وصولاً الى صيدا، الى أن خرجت تحت جنح الظلام عام 2000 .
ما تبتغيه إسرائيل وبالنص التوراتي إزالة لبنان كونه النموذج المضاد الذي يقوم على التفاعل بين الأديان (والطوائف) وكذلك بين الثقافات . لكن رهان الدولة العبرية كان دوماً على هشاشة الوضع اللبناني بالصراعات المبرمجة وغالباً بايعاز خارجي دون أن تكون إسرائيل خارج الغرف المظلمة لتبقى الدولة اللبنانية في حال الموت السريري .
لنعترف أننا بتشتتنا وبغلبة منطق الطائفة على منطق الدولة ،نلعب بقصد ، أو من دون قصد اللعبة التوراتية إياها . فقط للتذكير بعيّنة من التهديدات الاسرائيلية ، الجنرال افرايم سنيه ، وهو الطبيب ، قال "لن نترك كلباً يعوي في بيروت" . هذا ما كان يسعى إليه الثلاثي الجهنمي بنيامين نتنياهو ، ايتامار بن غفير ، بسلئيل سموتريتش ، لكن دونالد ترامب رأى أن ما تكدس من الجثث إن في غزة أو في لبنان يكفي لتطبيق رؤيته في للشرق الأوسط ، هل هي رؤية تاجر العقارات أم رؤيا النبي الأميركي ؟ الرجل الذي امضى حياته بين وول ستريت والبيفرلي هيلز لا يدرك ما هو الشرق الأوسط ، كمهد للحضارات الكبرى ، وللأساطير الكبرى ، ناهيك عن الديانات الكبرى ، وما هي القضية الفلسطينية بذلك النزف المروع في اللاوعي العربي .
الواقع ، وبكل ذلك الصخب الدموي ، يشي بأن الحرب بين لبنان وإسرائيل باتت مستحيلة . الهوة الاستراتيجية كرديف للهوة الإيديولوجية لا تقاس بالسنوات ,،بل بالسنوات الضوئية .
هذا اختزال للمشهد الشرق أوسطي الآن ، البيت الأبيض يضغط على البلدان العربية الثرية لتوظيف الجزء الأكبر من عائداتها في المصارف ، وفي الشركات ، والمصانع ، كذلك في سوق العقارات الذي هو هاجسه حياته . هكذا لبيقى العرب خارج التكنولوجيا ،وهي لغة القرن وحتى خارج التاريخ كما كان يقول الباحث وليم كريستول الذي طالما أجرى المقارنة بين تاريخ العرب و ... تاريخ الرمال !
باستثناء غزة ،كل الجبهات في حالة الركود ، لماذا اذاً استمرار إسرائيل في تلك السياسات المجنونة ، انفجار "المتلازمة اليهودية" (Jewish syndrome ) التي تحدث عنها سيغمند فرويد . ولكن في وجه العرب الذين كانوا الأكثر تسامحاً بين كل الأمم في التعاطي مع الجماعات اليهودية التي احتلت مواقع حساسة حتى في دواوين الخلفاء .
المشكلة أنهم دأبوا على اللعب مع نقاط الضعف لدى كل المجتمعات التي استضافتهم ، الآن اللعب الدموي الذي لا حدود له وبدعم أميركي لا حدود له ، المبعوث الرئاسي المتعدد المهمات ستيفن ريتكوف رأى أن الحل في التطبيع ، هل ما يجري حالياً هو الرقص على قرع الطبول حول كومة الحطب بانتظار اللحظة الكبرى ؟ من سنوات قال لنا الصحافي البريطاني ديفيد هيرست "لا دولة عندكم قبل الصلح مع اسرائيل" .
لبنانياً لننظر الى وجه بنيامين نتنياهو الذي تنبعث منه النيران ، مثلما أعاد تفجير غزة يحاول بشتى الطرق وبشتى الذرائع إقناع ترامب بإعادة تفجير لبنان .
لم يعد السؤال ماذا يريد الأميركيون من لبنان ولا ماذا يريد الإسرائيلون من لبنان ، الصورة واضحة تماماً ، الصورة الملتبسة ... ماذا يريد اللبنانيون من لبنان ؟؟