د. أكرم حمدان - خاصّ الأفضل نيوز
يقول متابعون لشؤون الانتخابات البلدية والاختياريّة إن الخلافات التي تفجَّرت بين العائلات في معظم البلدات والقرى أظهرت أن الكثير من اللبنانيين يتعاطون مع استحقاق الانتخابات البلدية كأنه استحقاق سياسي وليس إستحقاقاً إنمائياً، كذلك فإن هذا الاستحقاق كغيره من الاستحقاقات الانتخابيّة يفرز إصطفافات وتحالفات عائلية وعشائرية وسياسية وحزبية قد تبدو غريبة الأطوار أحياناً وكل ذلك بهدف الوصول إلى مركز القرار في السلطة المحلية التي تمثلها المجالس البلدية، إلا أن معظم القوى السياسية والحزبية وغيرها لم ترتقِ ونحن في القرن الـ21 إلى مستوى النضال والقتال من أجل تعديل قانون الانتخابات بما يُحقق المنافسة بين البرامج وبين النخب والكفاءات التي تُقدم الأفضل والأحسن لمجتمعها المحلي، ولا ننسى أيضاً إصلاح قانون المختارين نظراً للدور المهم والأساسي الذي يلعبه المختار، وهذا ينسحب على قانون الانتخابات النيابية في مكان ما نظراً لارتباط القوانين بعضها ببعض.
وعطفاً على ما تقدم وبعيداً عن المجاملات واللقاءات والاجتماعات التي تحصل في مناسبة الانتخابات والدجل والنفاق الذي يسودها تحت عناوين "التوافق والتفاهم ومصلحة العائلة والبلدة والمدينة والقرية"، فإنه من الضروري التذكير ببعض المحاولات التي جرت لتعديل قانون الانتخابات وتقديم بعض الأفكار والمقترحات التي ربما تُساهم بتطوير وتحسين العمل البلدي والانتخابات ككل.
إن أحد أسباب الحديث عن طرح تعديلات على قانون الانتخابات البلدية في الآونة الأخيرة، هو الخوف لدى القوى السياسية والحزبية (الطائفية)، وأصر على عبارة الطائفية، من النتائج التي قد تفرزها الانتخابات في العاصمة بيروت والتخوف من عدم مراعاة التوازن والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين في هذه الانتخابات، وكأن المواطن الذي يعيش في بيروت كعاصمة تعنيه كل هذه "الخزعبلات"، بينما هو يريد الخدمات والإنماء والتطور في المدينة بمعزل عن تركيبة أعضاء المجلس البلدي الطائفية أو الحزبية أو السياسية.
إلا أن هذا الأمر سيفتح الباب مجدداً لبازار تأجيل الاستحقاق ككل، فهناك اقتراح قانون تم التوافق عليه وسيتم تقديمه يوم الإثنين إلى الأمانة العامة لمجلس النواب حول المناصفة في بيروت واللوائح المقفلة وغيرها من البنود التي قد تفتح الباب أمام اقتراح تعديلات على قانون الانتخابات ككل، وحتى ولو كانت الأولوية لدى القوى السياسية تحقيق التوافق في بيروت.
فهناك على سبيل المثال لا الحصر المادة 16 من قانون البلديات التي تنص على أنّ أحكام الانتخابات النيابية تنطبق على الانتخابات البلدية، ومع ذلك، فإنَّ النظام الأكثري هو الساري في البلديات بينما التمثيل النسبي هو المعمول به في الانتخابات النيابية، وفي آذار/مارس 2023، اقترح النائبان بولا يعقوبيان وياسين ياسين، تعديل نظام التصويت في لبنان بشكل جذري في الانتخابات البلدية، كما اقترحا التمثيل المتساوي للنساء والرجال، وتخصيص مقعد واحد على الأقل من الجنسَيْن للأشخاص ذوي الإعاقة، واعتماد نظام التمثيل النسبي مع التصويت التفضيلي على غرار النظام المستخدم في الانتخابات البرلمانية، إضافة إلى توسيع دور هيئة الإشراف على الانتخابات لتغطية الانتخابات البلدية، ورفع السرية المصرفية عن المرشحين، وضبط حدود الإنفاق على الحملات الانتخابية.
في شباط 2010، اقترح النائب سامي الجميل إطارًا شاملًا للانتخابات البلدية والاختيارية، من خلال تقصير مدة ولاية المجلس البلدي إلى خمس سنوات، واعتماد نظام التمثيل النسبي، واعتماد الكوتا النسائية بنسبة 30% على أساس قسائم الاقتراع المطبوعة مسبقًا، وانتخاب الرئيس ونائب الرئيس بالاقتراع المباشر.
في عام 2009، اقترحَ وزير الداخلية والبلديات زياد بارود مشروع قانون لإصلاح قانون الانتخابات البلدية، أقرَّه مجلس الوزراء وأحيل إلى البرلمان في آذار 2010، ويتضمن اعتماد التمثيل النسبي، والقوائم المغلقة، ونسبة 20% من الكوتا النسائية، وقوائم الاقتراع المطبوعة مسبقًا، وأهلية أساتذة الجامعات وبعض الموظفين الحكوميين للترشح للمجالس البلدية.
كما أذكر أن من بين المقترحات التي تضمنها مشروع بارود تحديد حد أدنى للمستوى العلمي للمرشح للمخترة وعضوية المجلس البلدي بشهادة الثانوية العامة (البكالوريا) وهو الأمر الذي يفرض تعديلاً أيضاً على قانون الانتخابات النيابية وشروط الترشح التي تكتفي بعبارة (يجيد القراءة والكتابة).
إننا نعتقد أن الإصلاحات المطلوبة في القانون أهم من إجراء الانتخابات، لأن عدم تعديل القانون سيبقي البلديات والمجالس البلدية والاتحادات البلدية وحتى المختارين تحت رحمة الخلافات والتحالفات الحزبية والسياسية والعائلية والعشائرية وبالتالي لن تستطيع تحقيق الإنماء المنشود وهو الدور المناط بها أصلا.
هناك أيضاً بعض المقترحات التي ربما تُساهم بالتطوير كأن تُحدد نسب معينة من أصحاب الاختصاص تحت عنوان المهن الحرة بـ20 أو 30 % من المرشحين لكي نضمن وجود مهندسين ومحامين وأطباء مثلاً في المجلس البلدي، كل هذه الأفكار والمقترحات تبقى حبراً على ورق طالما القوى السياسية والحزبية الطائفية المتحكمة بالبلد هي صاحبة القرار في هذا المجال، ولا ننسى طبعاً واقع حالنا بعد العدوان الصهيوني الذي تعرض له لبنان وخصوصاً القرى والبلدات الجنوبية.
لننتظر ونرى ...هل هناك نية فعلًا بالإصلاح ...وحتى الانتخابات؟