كريستال النوّار - خاص الأفضل نيوز
في بلدٍ تتبدّلُ فيه الأسعار أسرع من تبدّل الفصول، يواجهُ اللبناني واقعاً مليئاً بالمفارقات؛ يتقاضى راتبه المتدنّي جدًّا مقابل الفواتير والمصاريف والحاجات الأساسيّة التي عليه تأمينها، ويقيسُ كرامته بقيمة "صرف السوق". هذه قصّة الراتب الذي لا يكفي لأسبوعٍ أو اثنين على أبعد تقدير.
ولكن يبدو أنّ هذه الغيمة السّوداء لن تستمرّ طويلاً، إذ بدأ الحديث في الفترة الأخيرة عن رفع الحد الأدنى للأجور كخبرٍ طال انتظاره، وذلك بعد ترؤس وزير العمل محمد حيدر اجتماعاً للجنة المؤشر للنظر في معالجة رواتب وأجور العاملين في القطاع الخاص، وأعلن أنه ابتداء من الإثنين ستُعقد اجتماعاتٍ لمناقشة مواضيع عدّة أبرزها درس إمكان رفع الحدّ الأدنى للأجور.
تعليقاً على هذا الخبر، يوضح الخبير الاقتصادي والمالي د. أنيس بو ذياب: "من دون أدنى شكّ أنّ سبب التأخير هو الكلام بالأرقام. فالأرقام هي الأساس ولكن يجب أن تكون مبنيّة على دراسات وهذا ما سنقوم به خلال أسبوعين"، لافتاً في حديثٍ لموقع "الأفضل نيوز"، إلى أنّ "هناك الكثير من الكلام الذي سيُقال في هذا الموضوع من قِبل الإحصاء المركزي، دراسات الأبحاث الأخرى، ونحن نرى ما يحصل من حولنا وبناءً على كل ذلك يتم تحديد الآلية والرقم".
ماذا عن المسار الذي سيسلكه القرار فور الاتّفاق على كلّ التفاصيل؟ يُشير بو ذياب إلى أنّ "الآلية القانونية لرفع الحد الأدنى للأجور تشمل أوّلاً الاتّفاق على الرّقم ومتمّمات الأجر وكلّ ما إلى ذلك، داخل لجنة المؤشر، ثمّ تقوم وزارة العمل برفع هذا الأمر إلى مجلس الوزراء الذي يقرّه بمرسوم وبالتالي يُصبح نافذاً فور إقراره ونشره في الجريدة الرسمية، من دون أيّ تأخير".
وعن سبب التطرّق إلى الموضوع في هذا الوقت بالذات، يلفت بو ذياب إلى "أنّنا ما زلنا في حرب ضروس و40 في المئة من المؤسّسات في المحافظات خارج جبل لبنان وبيروت أقفلت وما زالت مقفلة، خصوصاً في الجنوب والضاحية وبعلبك الهرمل". ويُتابع: "عندما نتكلّم عن رفع الحد الأدنى للأجور، هناك أمران مهمّان هما رغبة القطاع وحاجة العاملين ومن الجهة الأخرى إمكانية القطاع الخاص والمؤسّسات لأنه في نهاية الأمر أرباب العمل هم مَن سيدفعون التكاليف. فهل باستطاعتهم ذلك في ظلّ التراجع الكبير الذي حصل خلال الحرب؟ هنا يكمن السؤال الأهمّ".
في المُقابل، يُشير بو ذياب إلى الحاجة الضروريّة اليوم لرفع الأجور، قائلاً: "نرى الغلاء ونأخذ بعين الاعتبار ما يحصل في العالم من ارتفاعٍ في الأسعار خصوصاً بعد الرسوم الجمركية الجديدة. كلّ هذه الأمور تؤثّر في اتخاذ هذا النوع من القرارات، لذلك سننكبّ على العمل خلال أسبوعين وبشكلٍ جدّي في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وقد حُدّدت لقاءات في المجلس على أن تكون جانبيّة، والمشاورات مستمرّة بشكلٍ دائم حتّى 28 نيسان، وتُعلن النتيجة في لجنة المؤشر".
ويُضيف: "نأخذ بعين الاعتبار عناصر عدّة، مثل الإمكانات المتوفّرة لدى القطاع الخاص، قدراته، سوق العمل، القدرة التفاوضية، إنتاجية العمال، والأعباء التي يمكن أن تترتّب على رفع الأجور، التقديمات التي يُمكن أن يُعطيها صندوق الضمان الاجتماعي ويُحسّنها لتحسين القدرة الشرائيّة"، موضحاً أنّ "رفع الحد الأدنى للأجور لا يُحسّن وحده القدرة الشرائيّة، إنما أيضاً هناك التقديمات الاجتماعية في الطبابة الجيدة مثلاً، بدعم من الضمان، إذا غطّى في أول حزيران كما هو متوقّع لسريان التعريفات الجديدة، بالإضافة إلى التعويضات العائلية والتعليم".
يبقى الهدف الأساس الحرص على التوازن بين تأمين معيشة كريمة للمواطنين وحماية القطاع الخاص، إذ يؤكّد بو ذياب "أنّنا نوائم بين الإمكانات والرغبات بأرقامٍ مقبولة لا تسبّب انتكاسة للمؤسسات بسبب خروجنا أخيراً من الحرب، وأيضاً تؤمّن على الأقلّ الحد الأدنى المقبول للناس كي تعيش بكرامة، على أن تكون هناك لاحقاً أيضاً زيادات بما يتلاءم مع الحاجة والإمكانات".
كذلك، يكشف عن نقطةٍ مهمّة وهي "أنّ اجتماع لجنة المؤشّر الأخير تضمّن الاتفاق حول ضرورة وضع سياساتٍ عامّة للأجور لناحية تحديدها والبحث في آلياتها، وهذا أمر بالغ الأهمية، ونأمل من اليوم حتّى نهاية شهر نيسان الحالي أن تسير الأمور بالشكلٍ الصحيح".
لا شكّ في أنّ رفع الأجور ضرورة وليس خياراً، لكنّ السؤال الأهمّ "هل سيواكبُه إصلاحٌ اقتصاديٌّ حقيقيّ؟ أم يكون مجرّد تعديلٍ رقميّ في معركة غير متكافئة"؟