نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
بديهيّ التساؤل الآن، والشرق الأوسط يدخل كلياً في الحالة الأميركية، أي إسرائيل إذا ما تضاءل دورها الاستراتيجي؟
الفيلسوف الأميركي اليهودي نورمان فلنكشتاين تحدث عن "أزمة الحاخامات"، وهي أزمة لاهوتية بالدرجة الأولى، إذ كيف لهؤلاء، إذا ما توقفت دوامة الدم في المنطقة، أن يستمر التأويل الميكانيكي للتوراة؟
ربما قرأ ما سأله الفيلسوف الهولندي اليهودي باروخ سبينوزا، في القرن السابع عشر: "أي نوع من الأزمنة تنتظر اليهود حين يجعل هؤلاء الحاخامات يهوه على شاكلة آلهة الرومان، أو آلهة الإغريق، الإله الذي يتقيأ النيران؟"
أيديولوجيًا، لا يمكن لليهود البقاء إلا تحت عنوان "الصراع مع الآخر". هكذا كتب إسحق دويتشر، المؤرخ اليهودي البولندي، ومؤلف "اليهودي واللايهودي". حجة اليمين الآن، أنه مثلما أميركا في حالة تأهب متواصل تحسبًا لظهور إمبراطوريات أخرى تهدد قيادتها للعالم، لا بد أن يبقى الإصبع الإسرائيلي على الزناد تحسبًا لظهور أي قوة في الشرق الأوسط تهدد وجودها.
في السعودية، ثمّة رجل يخطط لاضطلاع بلاده بدور محوري في صياغة مستقبل المنطقة. ثم هناك الأتراك والإيرانيون، الذين مهما وُضعت حولهم الأسلاك الشائكة، ومهما واجهوا من الصدمات، لا يستطيعون الخروج من اللوثة الإمبراطورية، من خلال التفاعل الجيوسياسي بين دينامية الأيديولوجيا ودينامية التاريخ!
حتى لو اعتبرت الولايات المتحدة أنها، بقوتها الهائلة، تمسك بدول الشرق الأوسط كما تمسك بالأحصنة الهرمة، يفترض أن تأخذ العبرة من أصدقائها الإنجليز. أنطوني إيدن قال، قبل خروجه من 10 داوننغ ستريت عام 1957، أي بعد فترة وجيزة من غروب الإمبراطورية البريطانية على ضفاف السويس: "... لسوف أنتظر كيف يمكن أن يتعامل الأميركيون مع كرة النار في الشرق الأوسط".
على طريقة السلام الروماني Pax Romana، السلام الأميركي Pax Americana، مع التطور المذهل في الدماغ البشري، التطور الأسطوري. وها نحن أمام الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يُحدث انقلاباً ميثولوجياً في البنية الوجودية للعالم. لا مجال البتة للأخذ بنظرية صموئيل هنتنغتون حول "الإمبراطورية الأبدية". في لحظة ما، لا بد أن تُقرع أجراس النهاية، بعدما كنا قد لاحظنا أن فيلسوفًا يهوديًا فرنسيًا هو إدغار موران قد تبنى المفهوم الإسلامي للقضاء والقدر. قال بـ "جدلية القضاء والقدر"!
بنيامين نتنياهو، الذي يسند رأسه إلى المؤسسة اليهودية باختراقها الحلزوني لمراكز القرار في الولايات المتحدة، كان يراهن، وبتلك السياسات الهستيرية، على إقامة سور من الجماجم حول "إسرائيل الكبرى" (دافيد بن غوريون كان يراهن على القوس الثلاثي التركي – الإيراني – الإثيوبي)، وعلى أساس إرساء السلام الإسرائيلي Pax Israeliana في المنطقة. في نظر اليمين، هذا هو السبيل المثالي لإرساء قواعد الأمن الوجودي للدولة اليهودية، ريثما يظهر "الماشِيَح" الذي ساعة ظهوره "تطرح الأرض فطيراً أو ملابس من الصوف، وقمحاً حبّه بقدر كلاوي الثيران الكبيرة. وفي ذلك الوقت، يكون لكل يهودي ألفان وثمانمئة عبد يخدمونه، وثلاثمئة وعشرة تحت سلطته. لكن الماشيح لا يأتي إلا بعد انقضاء حكم الخارجين عن دين بني إسرائيل" (بطبيعة الحال، بعد اندثار أميركا).
النص اقتُطف من التلمود، بأبعاده وتأثيراته الخرافية، التي تحمل الباحث والحاخام الأميركي آرثر هرتزبيرغ (1921 – 2006) على القول: "عندما تجلّى الله لموسى، ولبني إسرائيل، تم زواج بين الله وإسرائيل، وسُجّل عقد الزواج بينهما، وكانت السموات والأرض شهوداً لهذا العقد...".
لنتصوّر أي نوع من السلام يمكن أن يقوم مع هذا النوع من البشر.
إبادة الفلسطينيين، وحتى إبادة العرب، إن لم نقل إبادة البشرية، كضرورة إلهية. (هل الصدفة وراء صناعة يهودي للقنبلة النووية؟).
هنا لا بد من التساؤل: ألم يكن الرئيس دونالد ترامب يعلم، وأثناء زيارته للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، بالمجازر اليومية التي تحدث على أرض غزة، وحيث الأطفال الذين بقوا على قيد الحياة يلوّحون بالطناجر الفارغة، وقد خارت قواهم من الجوع وراحوا يلفظون أنفاسهم الأخيرة؟
الهولوكوست الفلسطيني بكل معنى الكلمة. لا أحد يوقف "الفوهرر" الإسرائيلي. ولكن أليست القاذفات الأميركية، والقنابل الأميركية، هي التي تطحن الفلسطينيين الآن؟
الكوميديا الكبرى حين يُحكى عن الدولة الفلسطينية، الآن، وغداً، وبعد غد، المقبرة الفلسطينية. لكن الرئيس الأميركي وعدنا بـ"أشياء جيدة" تخص غزة في الشهر المقبل. هل نتوقّع، مثلاً، أن يعيد الموتى إلى الحياة؟ بطبيعة الحال، لا دولة فلسطينية ما دامت هناك دولة عبرية.
الآن عرفنا أين مكاننا في القرن: إما في المقبرة أو في الثلاجة.
ولا كلمة من دونالد ترامب حول الهمجية الإسرائيلية، كما لو أن المذبحة اليومية تحدث في كوكب آخر. حتى الآن، ما زال الرئيس الأميركي يذكّر، ويُندّد، بوحشية الفلسطينيين في 7 تشرين الأول 2023. حدث ذلك خلال بضع ساعات. العقاب ما زال مستمراً لأكثر من 14,000 ساعة، وإلى الأبد، ما دام الماشيح التلمودي لن يترك أثراً لغير اليهود على وجه الأرض.
رجاءً، اقرأوا التاريخ، ولاحظوا إذا كانت هناك دولة أو مملكة بتلك الحمولة الأيديولوجية – الحمولة الدموية – وحيث الكرة الأرضية مقبرة. هنا ترقد البشرية...!!