مارينا عندس - خاص الأفضل نيوز
لا يمكن الفصل بين ما يجري في دمشق وبيروت، لا ماليًّا ولا سياسيًّا ولا حتى اجتماعيًّا، لأنّ التاريخ والجغرافيا والسياسة نسجت بينهما علاقة عضوية عميقة. فكلّ تطورٍ أمنيٍ أو سياسيٍ في دمشق يترك أثرًا واضحًا على بيروت، والعكس صحيح. لذلك، فإنّ ترابط الاقتصادين وشؤونهما النقديّة والماليّة كان واضحًا منذ نشوء الدولتين. ولعلّ أبرز دلالة على ذلك كان التأثير المتبادل لأزمات الدولتين النقديّة والماليّة منذ عام 2011، إلى الحدّ الذي كشف وجود شبكات كاملة من أسواق النقد "المشتركة" بين لبنان وسوريا. فهل سيكون لبنان بعيدًا عن داعيات رفع العقوبات عن سوريا؟
ما معنى رفع العقوبات عن سوريا؟
رفع العقوبات عن سوريا يعني إلغاء أو تخفيف القيود الاقتصادية أو السياسية أو القانونية التي فرضتها دول أو منظمات دولية (مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة) على الحكومة السورية أو مؤسساتها أو أفراد معنيين فيها. وهذا ما يشمل عادةً نقاط أساسيّة أبرزها، إجراء التحويلات المصرفية والمعاملات المالية مع المصارف السورية، السماح بالتجارة أي تصدير واستيراد السلع، خاصة المواد الأساسية أو التكنولوجية التي كانت ممنوعة، عودة الشركات الأجنبية للاستثمار في سوريا، وإعادة دمج سوريا دوليًّا والاعتراف بشرعية الحكومة السورية. ولكن رفع العقوبات لا يعني بالضرورة انتهاء كل الأزمات في سوريا لأن على الحكومة السورية الالتزام بتعهدّات معيّنة.
ماذا ينتظر لبنان بعد العقوبات عن سوريا؟
بمجرّد رفع العقوبات الأميركيّة عن سوريا، ستكون المصارف اللبنانيّة على موعد مع العودة إلى مرحلة ما قبل الـ 2011، لتعاود الربط الطبيعي والتقليدي بين السوقين من دون أي قيود.
فالعقوبات الأميركية، التي استمرت قرابة 46 عامًا، شملت معظم القطاعات الحيوية في البلاد، عبر منظومة من القوانين التشريعية والأوامر التنفيذية التي صدرت عن إدارات متعاقبة في واشنطن منذ عام 1979 على خلفية اتهامات وجهت للنظام السوري المخلوع برعاية الإرهاب، وزعزعة استقرار دول الجوار مثل لبنان والعراق، وارتكاب انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، وقمع الثورة السورية، إلى جانب اتّهامات بتحويل البلاد إلى مركز لعبور وتجارة المخدرات. وفي حال رُفعت العقوبات عن سوريا، هذا القرار سيفتح الباب أمام إعادة تنشيط كافّة القطاعات الإنتاجية وتحقيق نوع من الاستقرار الأمني والمالي وتحقيق نمو مستدام للمنطقة. وقد يشكل هذا القرار فرصةً للتخلص من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية لأكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري في لبنان يشكلون ضغطًا على سوق العمل والبنى التحتية، بحيث قد يسمح الواقع الجديد بتدفق المساعدات الدولية إلى سوريا ويدفع بملايين النازحين السوريين للعودة إلى بلادهم مع إمكانية الاستفادة من التقديمات والمساعدات في الداخل السوري. كما سيسمح لسوريا بالعودة إلى النظام المصرفي العالمي وبالتالي إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد في بلد لديه مساحات شاسعة للنهوض بالزراعة، ويد عاملة للنهوض بالصناعة، وطبيعة ومناخ قد يسمح الاستقرار السياسي والأمني فيها لتطوير سياحته.
مشاريع الإعمار في سوريا بحاجة إلى مصارفنا للتعافي
وفي حديثه لموقع "الأفضل نيوز"، يشير الخبير الاقتصادي أنطوان فرح، أنّ "هنالك العديد من القضايا التي من الممكن أن يكون لديها تداعيات إيجابية، واحدة من أبرز هذه النقاط، تتعلّق بالتهريب. فنحن نعلم أنّ التهريب كان يتمّ بين الدّولتين بناءً على وجود العقوبات، والبضائع التي كان من الصعب وصولها إلى سوريا، كانت هناك محاولات كبيرة لتهريبها.
وبالتالي، هذا النوع من التهريب سيتوقّف وهذا أمر إيجابي طبعًا".
وأكمل:" حتّى بما يتعلق بموضوع الطاقة واستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية، كنا نواجه إشكالية أنّ هنالك عقوبات قانون قيصر على سوريا، وبالتالي نواجه مشكلة. وهنا علينا لفت النظر إلى أنّ المشروع لم ينجح ليس فقط بسبب قانون قيصر والعقوبات، بل أيضًا نتيجة الالتزامات المطلوبة من الدّولة اللبنانية والتي لم تتمّ.
وبالنتيجة، كل التداعيات الإيجابية التي يتم الحديث عنها في حال رفعت العقوبات عن سوريا، لم يستفد منها لبنان بطريقة واضحة إذا ما أخذنا إجراءات سريعة وأصبحنا جاهزين لمواكبة هذا الموضوع.
نحن نعلم أنّ رفع العقوبات لم يحصل بين ليلة وضحاها، تنفيذ القرار سيؤخذ حيزًّا من الوقت وهنا دورنا في الاستفادة منهُ لإنهاء عملية وضع خطة التعافي الشاملة من أجل إمكانية عودة القطاع المصرفي ليعمل بشكله الطبيعي في السوق اللبناني.
فبالحقيقة، القطاع المصرفي وحده سيكون المنصّة الأساسية للتعاون مع سوريا والاستفادة من ورشة الإعمار في سوريا".
وأكّد فرح أنّ "القطاع المصرفي اللبناني عندما فتح في سوريا، قدر أن يفرض سيطرته على كل المنافسة الأجنبية، لذلك هيمن على السوق السوري وبالتالي هذه المصارف لا زالت موجودة والمساهمات موجودة حتى الساعة، وبالتالي عودة المصارف اللبنانية إلى سوريا ستكون سهلة جدًا ولكنه علينا أولًا إعادة هيكلة المصارف لنرتاح من هذا الوضع. فحتى الشركات الاستثمارية التي من الممكن أن تستفيد من مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، محتاجة إلى قطاع مصرفي لبناني قوي للعمل جيدًا في سوريا".