مارينا عندس - خاصّ الأفضل نيوز
في زحمة مسؤولياتي، ودوري الصعب الذي يقدّمه له مجتمعي لأن أكون أمّا، يحاول المجتمع مرارًا وتكرارًا أن يُنسيني مَن أنا. وفي كلّ مرةٍ أسأل فيها عن نفسي:" من أنا"، تحاول ذكرياتي ألّا تخونني لتخبرني عن نفسي: أنت الشغوفة والطموحة والحنونة والقوية والضعيفة. المُتعبة التي تحتاج إلى سريرها في كلّ مرةٍ أرادت البكاء. فعندما أصبحتُ أمًّا، كدتُ أفقد نفسي، إلى أن تذكرتُ أنّني ما زلت هنا.
أنا الأم التي تطبطب على نفسها سرًا
لن أنكر أبدًا، أنّني أعيش أجمل أيّام حياتي مع ابني حفظه الله لي. ولأنّني أم، بدأت أزهر أكثر، وأعطي أكثر وأحبّ أكثر. فحبّي لابني ليس ضعفًا بل مصدر قوّتي، وهو الذي يمنحني القدرة على الصبر في التعب والابتسامة وسط الفوضى والقيام مجدّدًا في الصباح الباكر ولو كنت منهارة. ولكن، مع الأمومة، يكمن حب لا يمكن تفسيره.
أحبّ إبني أكثر مما أستطيع وصفه بكلمات، ولكن لم تولد هذه المشاعر لحظة ولادته. لم يخبرني أحد أنّ الأمومة صعبة، وقاسية. أخبروني فقط أنّها نعمة، ولم يخبرني أحد أنّه فور خروجي من المستشفى سأشعر بأنّني غريبة عن نفسي، منهكة، متعبة، أسأل نفسي بالسرّ:" هل أنا سعيدة فعلًا؟ أم أنّه عليّ أن أبدو كذلك لكي لا أتعرّض للهجوم من مجتمعي؟".
الرضاعة
ظننتُ الرضاعة مرحلة روحية اتصالية، سأعيشها مع ابني وأنا أغني لهُ على ألحان فيروز. لم أكن أعلم أنّها تحدٍّ أكبر ممّا يتخيّله عقلي وقلبي وإيماني. كانت فترة صعبة جدًا، اختلطت فيها كل مشاعر التعب والإرهاق والخوف والوجع. كنتُ أخاف أن يصيبني مكروهًا لألّا يجوع. وكنتُ أخاف أن أغيب عنهُ لأكثر من ربع ساعة لألا يعطش. ولكن، هذه الفترة جعلتني أشعر بالاكتفاء والنعمة لأنّني أطعمتُ ابني، لكنّها أيضًا أرهقتني بكل ما للكلمة من معنى. كنتُ رافضةً تمامًا أن أطعمه من حليب السّوق، ليس خوفًا من أحد بل لأنّ الرضاعة هي أسمى وأنبل ما تقدمه الأم لطفلها، لينمو براحةٍ وحبٍّ ويكتسب المناعة المطلوبة، ومع ذلك، ولو اخترتِ الطريق الصعب، عبّري عمّا بداخلك وقولي الحقيقة، ولا تدّعي المثالية والقوة مثلي، هذه نصيحة.
المجتمع
بغضّ النّظر ما إذا كنتِ أمًّا "مثالية" أم لا، المجتمع سيحاول دائمًا أن يُنسيك من أنت. ففي أعين الكثيرين، تختفي هويّتك الشخصية، لتصبحي فقط جزءًا من عائلة أنت مسؤولة عنها. ولكن في الواقع، أنت إنسانة، تحب الاستيقاظ متأخرًا أحيانًا -وهذا ليس عيبًا- تحب العمل خارج المنزل، تحبّ الفوضى أحيانًا، ما من أمرٍ مثاليٍّ في حياتها،وفي النهاية، أنتِ من سيسمح لنفسه أن يتغيّر بلمسة الفانوس السحري لينسوك من أنت، لكنّك المسؤولة عن تذكّر من أنتِ دائمًا.
المجتمع يتوقّع منكِ أن تكوني مبتسمة دائمًا، صبورة دائمًا، منزلك هادئ ونظيف، الطعام مطهوٌّ، والقدرة الإلهية التي تتمتّعين بها هي "فرض واجب". لكن لا يا عزيزتي، إذا أردت أخذ قسطٍ من الراحة خذيه، وإذا أردتِ الذهاب للتسوّق اذهبي، لك الحقّ بكل ما تتمنّين وما لا تتمنّين، لك الحقّ بالخوف، بالارتباك، بالقلق، بوحي بذلك واطلبي المساعدة؛ فأنتِ إنسانة عادية.
ولعلّ الاعتراف بهذه الكلمات، أول الطريق للتشافي، وللحب والعطاء.