مارينا عندس - خاص الأفضل نيوز
يقاوم جنوب لبنان للبقاء صامدًا بعد الحرب الإسرائيلية اللبنانية التي دمّرت آلاف المنازل ويتّمت عشرات العائلات اللبنانية، وذلك من خلال أرضه وناسه ورزقه. وفي الآونة الأخيرة، زاد الطّلب على الصعتر البلدي "الزعتر" وشهد طفرةً في سعره بحيث تجاوز سعر الكيلو الواحد العشرين دولارًا، وهو ما دفع العديد من مزارعي التبغ للجوء إليه كونه الأكثر إنتاجًا والأكثر ربحًا.
زعتر عمّو حسن... نكهة الأرض وبذور الإعمار
في بلدة عيترون الجنوبية، حيث تعبق رائحة التراب بذكريات الحرب والخسارات، يقضي عمّو حسن- وهو مزارع ستيني- اليوم بأكمله في أرضه. ويقول في حديثه لموقع "الأفضل نيوز": "في آخر حرب أصابت الجنوب، تضرّرت الأراضي بشكلٍ كبيرٍ، تدمّرت البيوت، وامتلأت الحقول بالقذائف غير المنفجرة. وكانت قريتي أشبه بظلٍّ لما كانت عليه. قررتُ ألّا أهاجر كما فعل كثيرون من أهل البلدة، بل أن أعمّر. لكن بماذا؟ التبغ لم يعد مربحًا، والأوضاع الاقتصادية تُعدّ خانقة. سمعتُ من أحد المهندسين الزراعيين عن مشروع زراعة الزعتر البلدي بتمويل من منظمة دولية ولم أتردد".
وتابع:" زرعتُ في أرضي المحروقة واستعرتُ بجيراني وأعطوني شتولًا مجانًا، وبدأتُ بمشروع "زعتر عيترون الأصيل". وخلال سنتين بالكثير، تحوّلت الأرض من بقايا رماد إلى مروج خضراء تفوح بالزعتر. أسّستُ تعاونية محلية لتجفيف الزعتر وتغليفه، وأبيعه للمغتربين اللبنانيين في دول أوروبا والخليج. تحسّن دخلي، فتحتُ معملًا صغيرًا، ووظّفتُ فيه نساء من القرية فقدن أزواجهن أو أبناءهن في الحرب. وهكذا أصبح الزعتر سببًا في إعمار بيتي وبيت غيري".
الزعتر: غذاء يومي يتحوّل إلى مصدر رزق
لطالما كان الزعتر جزءًا أساسيًا من المونة اللبنانية، يُستخدم في المنقوشة، السندويشات، السلطات وحتى في الطب الشعبي. ومع تزايد الطلب عليه، أصبح الزعتر مصدر دخلٍ مهمًا للمزارعين في عيترون والقرى المجاورة. ووفقًا لتقرير نشرته وكالة "أحوال ميديا"، فإن شتول الزعتر بدأت تنافس شتول التبغ في قرى وبلدات قضاء بنت جبيل، حيث لجأت البلديات والجمعيات الأهلية إلى توزيع شتول الزعتر على المزارعين، مما لاقى استحسانًا من المزارعين الذين وجدوا في هذه الزراعة مصدرًا بديلًا ومستدامًا لدخلهم. فكيف أثر زيادة الطلب على نهضة المنطقة؟
تحسين الوضع الاقتصادي: أدى الطلب المتزايد على الزعتر إلى ارتفاع أسعاره، مما ساهم في تحسين دخل المزارعين
التنويع بمصادر الدخل: مع تراجع زراعة التبغ بسبب التحديات الاقتصادية والبيئية، أصبح الزعتر بديلاً مناسبًا.
فتُظهر الدراسات أنّ إنتاج الهكتار من الزعتر يمكن أن يصل إلى 4300 كيلوغرام من الزعتر الجاف الجاهز للإستخدام، مما يوفر مصدر دخل مستدام للمزارعين.
تعزيز الهوية الثقافية: أصبح الزعتر رمزًا للهوية الجنوبية، حيث يُستخدم في المأكولات التقليدية ويُصدّر إلى الخارج، ممّا يعزّز من مكانة المنطقة ثقافيًا واقتصاديًا.
تشجيع الاستثمار المحلي والدولي: ساهمت المنظمات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي في دعم زراعة الزعتر من خلال توزيع الشتول وتوفير معدات الري، مما جذب الاستثمارات إلى المنطقة.
بالمُختصر، إنّ زيادة الطلب على الزعتر في عيترون والجنوب اللبناني ككلّ، تعكس تحولًا إيجابيًا في الاقتصاد المحلي، حيث أصبح الزعتر مصدر دخلٍ مستدامٍ يعزّز من الاستقلالية الاقتصادية ويُساهم في نهضة المنطقة. ومع الدعم المستمر من قبل الجهات المحلية والدولية، بإمكان المنطقة أن تستفيد من هذا الاتجاه لتعزيز مكانتها الاقتصادية والثقافية.