غدير عدنان نصر الدين - خاصّ الأفضل نيوز
من قمم الجبال إلى غابات المتوسط، وفي خضمّ التحوّلات المناخية التي تعصف بالكوكب، يتزايد الحديث عن ظاهرة الاحتباس الحراري بوصفها التحدّي البيئي الأبرز في العصر الحديث.
مما لا شكّ فيه أنّ الاحتباس الحراري بات أزمة بيئية عالمية تؤرق دول العالم والمجتمعات المحلية، نتيجة عوامل متشابكة أسهمت في ارتفاع ملحوظ بدرجات الحرارة، خصوصًا خلال فصل الصيف الذي يشهد معدلات حرارة غير مسبوقة مقارنة بسنوات مضت. ولا يقتصر هذا الارتفاع على الشعور بالحر الشديد فحسب، بل يقود إلى تداعيات خطيرة أبرزها اشتعال حرائق الغابات التي تلتهم المساحات الحرجية، ما يشكّل تهديدًا مباشرًا للتنوع البيولوجي ويكبّد خسائر بيئية واقتصادية فادحة.
وفي هذا السياق، يجد لبنان نفسه اليوم في قلب الأزمة، بعدما كان يُعرف بمناخه المعتدل المتوسطي. فقد شهدت البلاد خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا لافتًا في درجات الحرارة خلال فصل الصيف، تجاوزت في بعض المناطق المعدلات الموسمية، وانعكست بشكل مباشر على البيئة. هذه التغيرات أثارت مخاوف متزايدة لدى الخبراء والمواطنين حيال مستقبل البيئة في لبنان.
وفي سياق متصل، أوضحت الدكتورة زينب رمَّال، أستاذة في الجغرافيا الطبيعية والبشرية، وباحثة في تأثيرات التغير المناخي على البيئة في لبنان، في حديثٍ لـ "لأفضل نيوز"، أن الاحتباس الحراري "لم يعد مجرد ظاهرة علمية ونتابع تطوراتها من بعيد"، بل "نحن حالياً نعيش ارتدادها بشكل مباشر"، مؤكدةً أن ما يحصل في لبنان والمنطقة هو انقلاب في الإيقاع المناخي حيث الصيف يتمدد ويشتد حتى أصبح خانقاً، والشتاء أصبح مضطربًا ولا مُتساقطات كافية، بالإضافة إلى موجات الحر التي باتت أكثر احتداماً، ما يفسر تزايد أعداد الحرائق عاماً بعد عام.
كما أشارت رمَّال إلى أنه لا بد من تحديد السبب الأساسي الذي يجعل لبنان يشهد هذا التغير المناخي المتطرف، إذ إن الاحتباس الحراري ناتج عن النشاط البشري العالمي تحديداً عن انبعاثات الغازات الدّفيئة ومنها غازات ثاني أوكسيد الكربون، الميثان وغيرها، جميعها غازات تطلق نتيجة حرق الوقود الأحفوري، والصناعة، وقطع الغابات، والزراعة غير المستدامة...هذه الغازات تتجمع في الغلاف الجوي وتعمل كبطانية حرارية تمنع الأرض من التخلص من حرارتها الطبيعية، لذا حرارة الكوكب تزيد تدريجياً وترتفع حرارة اليابسة والبحر، ما يؤدي إلى خلل في التوازن المناخي العالمي.
علاوةً على ما ورد سابقاً، فسرت الدكتورة رمال أن التراكم الحراري في لبنان يعكس ثلاث صور مباشرة، يعكس صيفًا أطول وأكثر جفافًا، تراجع التساقط السنوي وتفاوتًا في توزيعه، وزيادة وتيرة الحرائق، مشددةً أن كل بلد ساهم في صناعة أزمته المناخية ومن ضمنها لبنان، ومن العوامل التي ساهمت في ذلك إزالة الغابات بلا رحمة، التوسع العمراني العشوائي، غياب الرقابة على استخدام الأراضي، والبناءات العشوائية وغيرها من الأسباب الأساسية التي تجعل الحرائق الموسمية حدثاً لا مهرب منه، مشددةً على، "إننا لسنا ضحايا لكن نحن من نصنع الكارثة بحد ذاتها."
كما أوضحت رمال أن المخاطر لا تقتصر فقط على الحرائق، بل تهدد أعمق الموارد الطبيعية مثل المياه والزراعة، فـ"لبنان" يخسر موارده الطبيعية بهدوء مميت، والمياه تتراجع ليس فقط بسبب قلة الأمطار بل بسبب ذوبان الثلوج بشكل أسرع ، والمتساقطات غير المتوازنة، ما يؤدي إلى عدم تخزين مياه جوفية واستنزافها بلا حساب، فالزراعة بخطر والتربة تُنتهك، وهذه ليست ظواهر عادية بل هل دلائل على الدخول في أزمة مياه ومرحلة الندرة، مشددةً على ضرورة إصلاح هذا الواقع من خلال قرار سياسي بيئي شجاع ورؤية وطنية تعيد الاعتبار للطبيعة، ونقل البيئة من الهامش إلى صدارة الأولويات، فالمعركة ليست من أجل البيئة فقط بل من أجل البقاء بحد ذاته. فمن المؤسف القول إن لبنان يخسر ثروته الطبيعية بصمت قاتل، واسم المرحلة الحالية هو "التغيير المناخي وسوء الإدارة".
في الخلاصة، ختمت الدكتورة زينب رمال أن ما نعيشه اليوم ليس تقلباً عادياً في المناخ، بل هو "إنذار مبكر بانهيار بيئي قديم"، ناصحةً أنه إذا لم "نستفق الآن سنستيقظ، لاحقاً على وطن بل خضار وبلا مياه وبلا توازن مناخي".