أثار استخدام الولايات المتحدة الأميركية، يوم أمس -الأربعاء، حق النقض (الفيتو) ضدّ مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة ورفع كل القيود عن دخول المساعدات الإنسانية، موجة غضب واسعة في أوساط غالبية الدول الأعضاء، التي اعتبرت أن الخطوة تُقوّض الجهود الدولية لاحتواء الكارثة الإنسانية في القطاع المحاصر.
ورغم تأييد 14 من أصل 15 عضواً لمشروع القرار الذي طرحته الدول غير الدائمة العضوية، إلا أنّ الفيتو الأميركي أسقطه. وعبّر سفيرا فرنسا وبريطانيا عن "أسفهما العميق" للنتيجة، بينما حمّل السفير الصيني فو كونغ واشنطن المسؤولية المباشرة، داعياً إياها إلى "التخلّي عن الحسابات السياسية وتبنّي موقف عادل ومسؤول".
أما السفير الجزائري عمّار بن جامع، فخاطب الجلسة قائلاً: "الصمت لا يدافع عن الموتى، ولا يمسك بأيدي المحتضرين، ولا يواجه تداعيات الظلم". بدوره، وصف السفير الباكستاني عاصم افتخار أحمد الفيتو الأميركي بأنه "ضوء أخضر لإبادة الفلسطينيين في غزة ووصمة عار أخلاقية في ضمير مجلس الأمن".
وقال السفير السلوفيني صموئيل زبوغار أن القرار وُلد من "شعور مشترك بالمسؤولية أمام المدنيين في غزة، والأسرى الإسرائيليين، وأمام التاريخ"، وأضاف: "كفى، كفى!".
وبرّرت المندوبة الأميركية دوروثي شيا رفض القرار بالقول أنّه "يُقوّض الجهود الدبلوماسية الرامية إلى التوصّل لوقف إطلاق نار يعكس الواقع على الأرض، ويشجّع حماس"، معتبرة أنّ مشروع القرار "يرسي مساواة زائفة بين إسرائيل وحماس". وأضافت أن النص "غير مقبول بما يتضمنه، وأيضاً بما لا يتضمنه"، مؤكدة مجدداً على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
ويُعدّ هذا أول استخدام للفيتو الأميركي في مجلس الأمن منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني.
وكان آخر قرار يتعلّق بالحرب على غزة قد صدر في حزيران 2024 عندما دعم المجلس خطة وقف إطلاق نار متعددة المراحل طرحتها الولايات المتحدة، لكنها لم تدخل حيّز التنفيذ إلا في كانون الثاني 2025. ومنذ ذلك الحين، لم يتمكن المجلس من الاتفاق على أي قرار جديد.
ودعا مشروع القرار الأخير إلى "وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار" في غزة، والإفراج غير المشروط عن الأسرى الإسرائيليين، كما شدد على "الوضع الإنساني الكارثي" في القطاع، ودعا إلى "الرفع الفوري وغير المشروط لكل القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها بشكل آمن وواسع ومن دون عوائق"، بما في ذلك عبر الأمم المتحدة.
ورغم سماح إسرائيل منذ 19 أيار بدخول عدد محدود من شاحنات الأمم المتحدة، إلا أنّ الأخيرة اعتبرت هذه المساعدات "قطرة في محيط" ولا تلبي الحاجات الهائلة وسط خطر المجاعة.
في موازاة ذلك، أعلنت "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة، والتي بدأت توزيع المساعدات في 26 أيار، إغلاق مراكزها مؤقتًا بعد مقتل عشرات المدنيين قربها بنيران إسرائيلية، بحسب الدفاع المدني الفلسطيني.
الأمم المتحدة رفضت التعاون مع المؤسسة التي وُصفت مصادر تمويلها بأنها "غامضة"، مؤكدة أنها لا تلتزم بالمبادئ الإنسانية. كما وصفت مراكزها بـ"الفخ المميت" حيث يُضطر الجائعون إلى المرور بين "أسلاك شائكة وحراسٍ مسلحين".
وقال السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور أن "الغضب في مجلس الأمن لا يكفي، لا يمكن أن نقبل بالعجز. عليكم أن تتحركوا"، مستندًا إلى نداء منسق الشؤون الإنسانية توم فليتشر الذي دعا إلى "منع الإبادة" في غزة.
كما حذّر منصور من أنّ الفيتو سيلقي بالضغط على من "يمنعون مجلس الأمن من تحمّل مسؤولياته"، قائلاً: "سيُحاسبنا التاريخ جميعًا على ما فعلناه أو لم نفعله لوقف هذه الجريمة بحق الشعب الفلسطيني".
تستمر الحرب في قطاع غزة منذ أكثر من 20 شهراً، عقب الهجوم المفاجئ الذي شنّته حماس على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023، فيما تتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لإنهاء العمليات العسكرية وفتح المجال أمام المساعدات.