نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
ربما السؤال الأكثر إثارة , في الوقت الحاضر , هو ذاك الذي يطرحه المفكر الأميركي روبرت كاغان , "هل من مصلحة الولايات المتحدة وقف الصراعات في الشرق الأوسط ؟" . هذا بعد عقود طويلة من صناعة الأزمات، وإدارة الأزمات ، في منطقة قال هيرودوت منذ 2500 عام إنها تقع على خط الزلازل , وقال المستشرق غوستاف لوبون "لعل الكائن البشري هناك يولد ونصفه في هذا العالم ونصفه الآخر في العالم الآخر" .
الأميركيون لعبوا , ويلعبون , بالرؤوس , وبالثروات , وقد استخدموا إسرائيل , بتلك الإيديولوجيا المجنونة , كأداة لوقف الزمن العربي , حتى أن الوزير الإسرائيلي ييغال آلون , صاحب فكرة الوطن البديل للفلسطينيين في الضفة الشرقية , قال بالحرف الواحد , "لندعهم تائهين في تلك الصحارى , دون أن يتمكنوا من العثور على موطئ قدم لهم في القرن" . دونالد ترامب ليس بالإله , ولا بالنبي , الذي يستطيع تغيير المسار التاريخي للمنطقة . الآلام الفلسطينية محفورة في عظام العرب وفي لاوعي العرب . لا مجال البتة لإطفاء ذاكرة النار حتى لدى الموتى .
التاريخ يضج بكل أنواع الحروب , وبكل أنواع الصراعات، لكن العرب ابتلوا بتلك الظاهرة التي لم تشهد الأزمنة نظيراً لها . هنا الضجيج التوراتي , الذي لا يعترف بالمساواة مع الآخر , وحتى بوجود الآخر .
ما حدث , ويحدث , في غزة أكثر من أن يكون هائلاً . القتل ثم القتل ثم القتل . القضية الآن بيد الأميركيين . هل باستطاعتهم إبعاد الإسرائيليين عن جاذبية الدم التي يرون فيها العامل الأساسي في بقائهم على سطح الأرض , وهم الذين يقدمون أنفسهم كورثة لعالم , وهذا ما حمل الكاتب الألماني غانتر غراس على التساؤل ما إذا كانوا قد صنعوا القنبلة من أجل العرب فقط أم من أجل سائر الكائنات البشرية .
فارق كبير بينهم وبين العرب الذين ثابروا على التفاعل مع الحضارات , ومع الثقافات . إنهم نقلة الفلسفات , والعلوم , الإغريقية إلى أوروبا , ليكونوا قوة الدفع الرئيسية في ظهور عصر الأنوار في القارة العجوز , والذي قاد إلى اكتشاف أميركا حيث ما لبثت أن تبلورت تلك الهوة بين البعد الأخلاقي والبعد التكنولوجي في البنية السوسيولوجية للمجتمع الأميركي , وحيث تبدو لعبة المصالح أكثر قداسة من النصوص المنزلة .
الرئيس الأميركي يريد وقف الحروب في المنطقة لضمان السلام الأبدي للدولة العبرية , ومن أجل ألاّ تبقى المنطقة الخاصرة الرخوة في أي صراع بين الأمبراطوريات حول قيادة الكرة الأرضية , وإن كان الباحثون المستقبليون يعتبرون أن الذكاء الاصطناعي لا بد أن يفضي إلى إحداث تغيير زلزالي في المفاهيم , وفي المعايير الكلاسيكية الخاصة بالحرب والسلام , بل وحتى في إعادة ترتيب أولويات الدماغ البشري .
استطراداً , العرب يستطيعون , إذا ما أخذنا بالاعتبار التأثير القرآني في تشكيل الشخصية العربية , استيعاب الحالة اليهودية , وهذا ما بدا جليّاً في أكثر من مجتمع عربي , وصولاً إلى الأندلس حيث كانت الحقبة العربية هي الحقبة الذهبية لليهود , إذا ما تذكرنا الدور الفلسفي , واللاهوتي , الذي اضطلع به موسى بن ميمون إن في البلاط الأندلسي , أو في التراث الأندلسي , حتى أن المؤرخ الإسباني إدواردو مانتانو مورينو تحدث عن "عبقرية التفاعل لدى النوع العربي" . ولكن هل باستطاعة اليهود استيعاب الحالة العربية ؟
منذ البداية كان تأثير اللوثة التوراتية عاصفاً من خلال استشراء ثقافة القتل , وثقافة الاقتلاع , في الشخصية اليهودية .
وإذا كان الياباني ياسوناري كاوباتا , الحائز نوبل في الآداب , قد وصف قنبلة هيروشيما بــ"لعنة قايين" كونها اللعنة الأبدية , كيف يمكن وصف آلاف الأطنان من القنابل التي تنهمر على أهل غزة , وهم في ذلك العراء الميثولوجي ؟
أحد المراسلين رأى في المجازر التي قام بها الجنود الإسرائيليون بحق اللاهثين وراء المساعدات لإنقاذ أطفالهم من الموت جوعاً بـ "الليلة التي رقص فيها الشيطان" .
هل يمكن لعقل بشري أن يتحمل ذلك المشهد الذي لكأنه "السوبرهولوكوست الفلسطيني" ؟.
أيها "البريزيدانت" دونالد ترامب عن أي سلام تتحدث في الشرق الأوسط حين يكون هناك وزير إسرائيلي هو أميحاي الياهو يدعو لإلقاء القنبلة النووية على أولئك الضائعين في لعبة الأمم ؟ وحين يكون هناك نائب جمهوري في الكونغرس هو راندي فاين يردد الدعوة ذاتها كما لو أن توماس حيفرسون لم يصف تلة الكابيتول بـ"تلة الأنبياء" ؟
من سنوات , قال رئيس الأركان السابق الجنرال موردخاي غور "بقاؤنا رهن بيقائنا في الخنادق" . لم يكترث بسؤال الصحافي يوري أفنيري "هل تعني بقاءنا في القبور أيها الجنرال ؟" . الآن محاولة لوقف الحروب في الشرق الأوسط لكأنها محاولة وقف التاريخ عن العمل , كذلك وقف العقل الإسرائيلي , والعقل الأميركي , عن العمل , وحيث ظهرت نظرية الديبلوماسي الشهير جورج كينان "الاحتواء" (1946 ) ونظرية "حرائق الغابات" في عهد رونالد ريغان , لإشعال الحروب المبرمجة , ولأغراض تكتيكية . هنا الشرق الأوسط كمنطقة مشرعة على كل الأعاصير .
تالياً , هل يمكن للذئاب أن تنام ؟ المعلق العسكري في صحيفة "هاآرتس" عاموس هرئيل تساءل ما إذا كان بإمكان طائرات الـ"اف ـ 35 " أن تطير بأجنحة الملائكة ؟ الفيلسوف الفرنسي فرنسوا بورغا وصف إسرائيل بـ"طنجرة المردة" , وحيث يغسل القراصنة ملابسهم القذرة .
في هذه الدولة لا يغسل القتلة ملابسهم الملطخة بالدم ..