نوال أبو حيدر ـ خاصّ الأفضل نيوز
أصدر مصرف لبنان مؤخراً تعميمين جديدين يتعلقان بتعديل سقوف السحوبات المالية من ودائع العملاء، والتي كانت محددة سابقاً في التعميمين رقم 158 و161. حيث تم رفع سقف السحوبات في التعميم الأول من 500 دولار إلى 800 دولار، بينما ارتفع سقف السحوبات في التعميم الثاني من 300 دولار إلى 400 دولار. وتأتي هذه الإجراءات في إطار محاولات مصرف لبنان لتسهيل حركة السحوبات النقدية وتلبية حاجات المودعين في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، مع الحفاظ على الاستقرار المالي والسيولة في النظام المصرفي. فهل يستطيع مصرف لبنان والبنوك تأمين السيولة للمودعين؟
بين الإيجابيات والسلبيات.. ما تأثير رفع سقف السحوبات؟
من هذا المنطلق، تشرح مصادر اقتصادية مطلعة لـ "الأفضل نيوز" أن "تعديل سقف السحوبات المالية من الودائع يعد خطوة مهمة تؤثر بشكل مباشر على حياة المودعين وعلى سير العمل في النظام المصرفي. من ناحية الإيجابيات، فإن رفع سقف السحب إلى مبالغ أكبر مثل 800 دولار و400 دولار يتيح للمودعين الحصول على سيولة نقدية أكبر تلبي حاجاتهم اليومية بشكل أفضل، خصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية التي تشهدها البلاد. كما يمكن أن يخفف هذا التعديل من الضغط النفسي على العملاء الذين كانوا يعانون من قيود صارمة على سحب أموالهم، مما يعزز ثقة الجمهور في النظام المصرفي ويقلل من احتمالات السحب الكلي للودائع أو الهلع المصرفي. إضافة إلى ذلك، يساهم ذلك في تحريك بعض القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على السيولة النقدية في التعاملات اليومية".
وتتابع: "أما من جهة السلبيات، فإن رفع سقف السحوبات قد يزيد من الضغط على السيولة المتوفرة لدى البنوك، خاصة في ظل محدودية الموارد بالدولار، مما قد يؤثر سلباً على استقرار القطاع المصرفي ويزيد من مخاطر نقص السيولة أو حتى تعثر بعض المؤسسات المالية. كما أن هذا الإجراء قد لا يكون كافياً لتلبية جميع حاجات المودعين، خصوصاً كبار المودعين الذين يحتاجون إلى مبالغ أكبر من المبالغ المحددة، مما قد يدفع البعض إلى البحث عن حلول بديلة قد تكون غير رسمية أو غير آمنة".
عليه، تعتبر المصادر نفسها أن "رفع سقف السحوبات هو حل مرحلي يساعد في تخفيف حدة الأزمة لبعض الفئات، لكنه لا يعالج جذور المشاكل المالية والاقتصادية، ويستلزم تبني سياسات مالية ونقدية أوسع لضمان استقرار النظام المصرفي والاقتصاد الوطني بشكل عام".
من سيموّل تكاليف تنفيذ تعاميم مصرف لبنان؟
في هذا السياق، يوضح الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنيس أبو دياب، في حديث لـ"الأفضل نيوز"، أن "التمويل سيتم من خلال آلية مزدوجة، حيث سيتم الاعتماد جزئياً على الاحتياطي الموجود لدى المصرف المركزي، في حين ستُسهم المصارف التجارية بالجزء الآخر من التمويل بشكل نسبي".
ويرى أبو دياب أن "هذا الإجراء يُعدّ خطوة طبيعية تهدف إلى التخفيف من حدة الأزمة المالية، لا سيما فيما يتعلق بالمودعين الصغار الذين تتسم ودائعهم بالحجم المحدود، إذ يمكن أن يسهم هذا الترتيب في تخفيف معاناتهم وتأمين جزء من حقوقهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة".
بين تعاميم مصرف لبنان ومعاناة المواطن!
في وقت، يعيش المواطن اللبناني حالة من المعاناة المستمرة رغم تعاميم مصرف لبنان التي ترفع سقوف السحوبات بين فترة وأخرى. هذه الإجراءات قد تسهّل سحب الأموال مؤقتاً، لكنها لا تعالج المشكلة الأساسية: انهيار قيمة الليرة اللبنانية ونقص السيولة في البنوك.
النتيجة أن الناس يجدون أنفسهم عاجزين عن تأمين احتياجاتهم اليومية بسبب تراجع القدرة الشرائية، كما أن القيود على السحب تزيد من شعورهم بالإحباط وعدم الأمان المالي. هذا كله ينعكس سلباً على حياتهم الاجتماعية، حيث تتزايد الضغوط الأسرية والمجتمعية، وتعمق الأزمة شعور الكثيرين باليأس وفقدان الأمل في المستقبل.
باختصار، المواطن يعاني مادياً ونفسياً، والحلول المؤقتة لا تكفي إلا بعد إصلاحات حقيقية تضمن استقرار الاقتصاد وتحمي حقوق الناس في العيش بكرامة.
في المحصلة، تبقى الحلول الجزئية كرفع سقوف السحوبات وتمويلها من الاحتياطي والمصارف خطوة محدودة الأثر، خاصة إن لم تُرافقها إصلاحات جذرية وشاملة في السياسة المالية والنقدية. فالمواطن اللبناني، وخصوصاً أصحاب الودائع الصغيرة، يحتاج اليوم إلى إجراءات واضحة وعادلة تضمن له الحد الأدنى من الاستقرار والكرامة في معيشته، بعيدًا عن الحلول المؤقتة والتخبط المالي المستمر.