محمد علوش - خاصّ الأفضل نيوز
حين يزور مبعوث أميركي بيروت "على عجل"، حاملاً ورقة تُعيد تدوير الشروط ذاتها التي تطالب بـ"نزع سلاح حزب الله"، وبأن تتولى الحكومة اللبنانية وحدها سلطة القرار على كامل أراضيها، فإن السؤال لا يكون فقط عمّا تحمله الورقة، بل عمّن غاب عنها، فالغائب الأكبر هو إسرائيل.
ففي الوقت الذي تطالب فيه واشنطن اللبنانيين بالإصلاحات السياسية والاقتصادية وبـ"حصر السلاح بيد الدولة"، تتصرّف كما لو أن لا جيش إسرائيلي يحتل أراضيَ لبنانية ويحتل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من الغجر، ولا طائرات تخرق الأجواء، ولا عمليات اغتيال وقصف متكرر على أراضي دولة ذات سيادة.
القول الأميركي بأن "الولايات المتحدة لا تستطيع أن تجبر إسرائيل على فعل أي شيء" ليس اعترافاً بالعجز، بل تعبير دقيق عن إرادة سياسية منحازة بالكامل لتل أبيب، يعمل وفقها المبعوث الأميركي.
واشنطن التي لم تتردد في فرض عقوبات على دول وزعماء، والتي خاضت حروباً وغزوات تحت عناوين "نشر الديمقراطية" أو "مكافحة الإرهاب"، لا تجد نفسها قادرة على الضغط لوقف عدوانٍ مفتوح ومستمر من قبل إسرائيل، وهي الحليف الأول والأكثر تمويلاً في سجل المساعدات العسكرية الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لذلك ، الحقيقة أن المسألة ليست تقنية ولا دبلوماسية، بل سياسية واستراتيجية؛ فإسرائيل ليست مجرد "حليف" لأميركا في الشرق الأوسط، بل جزء من بنيتها الأمنية في المنطقة، وذراع متقدمة لفرض التوازنات التي تخدم المصالح الأميركية. ولهذا، فإن كل حديث أميركي عن "الحياد"، أو عن أن "الحل بيد الحكومة اللبنانية"، هو محاولة لنقل المسؤولية من الجهة المُعتدية إلى الجهة المُعتدى عليها.
الأدهى، أن واشنطن تُطالب بيروت بنزع سلاح المقاومة، قبل أن تتحقق أي من الشروط التي تجعل هذا الخيار قابلاً للنقاش أصلاً: لا وقف للاعتداءات، لا انسحاب من الأراضي المحتلة، لا التزام بالقرارات الدولية، ولا حتى فكّ الحصار المالي المطبق على لبنان والذي يمنع إعادة الإعمار.
وفي الوقت نفسه، تُطالب الحكومة اللبنانية بأن تُمارس "سلطتها السيادية" في ظل بيئة عدوانية إقليمية، وتحت ضغط أمني واقتصادي خانق. في الواقع، إن الرغبة الأميركية في تحويل لبنان إلى نموذج سوريّ جديد، حيث تتولى دولة مركزية "فاشلة" إدارة الأزمة الأمنية والاجتماعية، بينما ينهار الاقتصاد وتُفتح الحدود أمام التهريب والفوضى، هي خيار واعٍ وليس مجرد نتيجة عرضية للسياسات.
فواشنطن تُريد دولة لبنانية ضعيفة بالضبط، لكي تبقى الحاجة قائمة إلى وسيط خارجي، وتبقى المقاومة تحت ضغط الاتهام والملاحقة، وتُمنع أي قوة من تعديل ميزان الردع مع إسرائيل.
أما التذرّع بأن "الحل في يد الحكومة اللبنانية"، فهو كمن يطلب من المريض أن يُشفى بينما يمنع عنه الدواء، فالولايات المتحدة لا "تعجز" عن الضغط على إسرائيل، لكنها ترفض، وهي لا تسعى لإحلال السلام بقدر ما تسعى لتعديل توازن القوى بما يخدم إسرائيل، واللبنانيون، سواء في الدولة أو المقاومة، مدعوون إلى قراءة الرسائل الأميركية بعين الريبة، فالمطلوب أميركياً ليس "مساعدة لبنان"، بل ضبطه وتفكيكه من الداخل، باسم الإصلاح والسيادة.