طارق ترشيشي- خاصّ الأفضل نيوز
تقول قراءة ديبلوماسية للوضع السوري المستجد إنَّ ما يجري في البلاد السورية حاليا هو في الحقيقة نزاع تركي ـ إسرائيلي للاستحواز على تلك البلاد يُحرج حليفتها الولايات المتحدة الأميركية ولكنه لا يُخرجها.
فتركيا، حسب هذه القراءة، تعمل على تطويع كل الأقليات السورية لمصلحة السلطة الجديدة، وهذا التطويع بدأ بالأحداث التي حصلت في الساحل السوري قبل أشهر ضد العلويين والمسيحيين وقبله وبعده ضد الشيعة في الشمال وفي دمشق (منطقة السيدة زينب وغيرها)، ومن ثم محاولات تطويع الأكراد وصولا أخيرا إلى الدروز في محافظة السويداء في الجنوب السوري فالجانب التركي يحاول في هذا التصرف إنما يحاول تقليد النظام السابق الذي كان عصبه يقوم على الإمساك بالأقليات من علويين والشيعة وأكراد ودروز ، بالإضافة إلى بعض الشرائح السنية وطبقات رجال الأعمال والتجار الكبار والقوى المؤثرة في المجتمع السوري، وقد نجحت تركيا في استمالة السُنّة عبر البيئات السنية المليئة ماليا والتي تملك مشاريع كبيرة تجارية وصناعية وغيرها، وخلال الفترة الأخيرة قدمت تركيا لهذه البيئات تسهيلات عبر التجارة والأعمال وأتاحت لتجار حلب الكبار فتح مشاريع كبرى في تركيا، وإقامت منطقة تجارة حرة عند معبر "باب الهوا" على الحدود التركية ـ السورية ما جعل البيئة السنية السورية بمجملها مؤيدة للخيارات التركية في دعم سلطة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.
وتقول المصادر الديبلوماسية التي قدمت القراءة إياها للوضع السوري لموقع "الأفضل نيوز" أن الجانب التركي بعد ما أخضع العلويين وغيرهم من الأقليات لسلطة الشرع عمل ضد الدروز في محافظة السويداء للهدف نفسه ممهدا لعمل مماثل لاحقا في شأن الأكراد وتحديدا ضد "قوات سوريا الديموقراطية"(قسد) ليصل في النهاية إلى إخضاع كل المكونات السورية لسلطة الشرع لأن تركيا تريد أن تكون سوريا بعيدة من أي تفكك أو تقسيم بشري وترابي.
وفي المقابل فإن إسرائيل تريد العكس وهو تفكيك سوريا وتقسيمها إلى دويلات طائفية ومذهبية لأن ذلك يحقق لها كثيرا من الفوائد ومن ضمنها أبعاد الإسلاميين عن حدودها عبر إقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري مع فتح "كوريدورات" إلى الداخل السوري مثل معبر داوود ومعابر أخرى واقتطاع أراض جديدة من سوريا وذلك في إطار المشروع الإسرائيلي الأصلي وهو أن تعيش إسرائيل وسط محيط عربي مفكك إلى دويلات طائفية ومذهبية تتناحر في ما بينها على الدوام.
ولذلك تؤكد المصادر الدبلوماسية أن المعركة الدائرة في سوريا هي بالدرجة الأولى معركة تركية ـ إسرائيلية في أصلها وجوها لكنها لن تصل إلى حد الصدام العسكري المباشر بين أنقرة وتل أبيب وإنما ستكون بين اتباع كل منهما على الساحة السورية .ولكن هذه المواجهة ستبقى في النهاية مضبوطة تحت سقف أمريكي محدد يتدخل كلما كبرت مثل ما حصل في السويداء حيث تدخلت واشنطن لحظة وصول المواجهات إلى حدود الانفجار الكبير. وفي هذا السياق يقود الموفد الأمريكي إلى سوريا ولبنان توماس براك الجهد الأساسي في هذا المجال بغية تخفيف حجم التصادم الدائر بين حلفاء الولايات المتحدة على الأراضي السورية بمختلف مسمياتهم.
لكن هذه المصادر الدسيلوماسية تشير إلى أن الوضع على الصعيدين الكردي ـ التركي والإسرائيلي ـ التركي قد بدأ يقترب من تصادم كبير ستجد الولايات المتحدة الأميركية معه نفسها أمام خيارات صعبة، فهي حليفة لإسرائيل وحليفة للأكراد وحليفة لتركيا في آن معا، فكيف لها أن تضحي بأي منهم لمصلحة سلطة سورية لم تثبت إقدامها بعد ولم تحظ بالتأييد المطلوب لدى عامة الشعب السوري.
أما دول الخليج فترى المصادر الديبلومايية أنها إذ تدعم سلطة الشرع وتتعايش معها فإنها تريد الاستفادة منها لتحقيق أغراضها وما تريد منها بالدرجة الأولى هو تطويق حزب الله بحيث تعمل في لحظة ما على قلب الأدوار في الوضع اللبناني في إطار الضغوط على "الحزب" في الشق الإقليمي.