ميشال نصر - خاصّ الأفضل نيوز
في ظل التحديات الجيوسياسية المتصاعدة في المشرق العربي، وتنامي الهواجس الأمنية الناتجة عن التداخل الإقليمي و"الفراغات السيادية" في بعض دول الجوار، وفي زمن تتكاثر فيه التحديات الأمنية والاقتصادية في لبنان، وتتصاعد فيه الضغوط على المؤسسات الرسمية، لا سيما المؤسسة العسكرية، يبرز التعويل اللبناني على المساعدات العسكرية الأردنية كرسالة استراتيجية متعددة الأبعاد، تتجاوز الطابع اللوجستي والدعم التقني لتلامس عمق الحسابات الإقليمية والدولية في المنطقة.
فالمملكة الأردنية، بخبرتها الطويلة في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، تدرك أن استقرار لبنان ليس مجرد شأن داخلي، بل ركيزة من ركائز التوازن الأمني في المشرق العربي.
من هنا، يأتي الدعم الأردني في توقيت حساس، ليؤكد على أولوية منع انهيار المؤسسة العسكرية اللبنانية، والحفاظ على تماسكها كصمام أمان وطني في وجه التفكك والفراغ، مع ما تعكسه هذه السياسة الأردنية من رؤية واقعية بأن ترك لبنان وحيدًا في مواجهة أزماته، يفتح الباب أمام مزيد من التغلغل الإقليمي غير المتوازن، وبالتالي تهديد الاستقرار الحدودي والجغرافي المتداخل بين بيروت وعمّان، على ما أشار الملك عبدالله الثاني، خلال احتفال تخريج دورة في مجال مكافحة الإرهاب، ضمت متدربين لبنانيين.
فالمساعدات الأردنية، التي قدمت، وإن كانت محدودة الكم، حملت في طياتها دلالات سياسية واضحة، من دعم للدولة اللبنانية، تشجيع المؤسسات الشرعية، ومنع الانزلاق نحو الفوضى، كجزء من "هندسة أمنية" أميركية أوسع في الشرق الأوسط، تسعى إلى إعادة صياغة خطوط الدفاع في منطقة يتقاطع فيها الأمن بالسياسة، وتُكتب فيها التحالفات بلغة الضرورات لا الشعارات، حيث اختارت واشنطن المملكة كقاعدة اساسية للتدريبات السنوية المشتركة لعدد من الجيوش العربية والأطلسية تحت إشراف "القيادة المركزية الأميركية" والتي عرفت "بالأسد المتأهب"، حيث شارك لبنان دون انقطاع عبر سرايا من قواته الخاصة.
انطلاقًا من ذلك، وعلى خطى سلفه، قرر قائد الجيش العماد رودولف هيكل أن تكون زيارته العربية الأولى إلى الأردن، آملًا في الحصول على مساعدات إضافية، تساعد في تعزيز قدرات الجيش للقيام بمهامه على الحدود الجنوبية والشرقية والشمالية، فضلًا عن بحث ملف التعاون الأمني في ظل تداخل الملفات، أولًا، على الصعيد السوري، وثانيًا، فلسطينيًّا، خصوصًا بعد اكتشاف خلية الأخوان أخيرًا وارتباطها بمجوعة لحماس تتخذ من لبنان مقرًّا لها.
مصادر مواكبة للعلاقات الأمنية والعسكرية بين البلدين، كشفت أن الأردن يعتبر "بلدًا ثالثًا" للمساعدات، حيث تمر عبره مساعدات أميركية أساسية، ذلك أن كل الهبات التي قدمها للبناني حازت على موافقة مسبقة من الكونغرس الأميركي لينقلها إلى بيروت، وبالتالي، في ظل تراجع برامج الدعم والمساعدات الأميركي المباشرة، وفقًا لما تبينه الموازنة الأميركيّة، تعتبر المملكة أحد المصادر الأساسية.
وتضيف المصادر، أن التعاون الامني بين البلدين في اللحظة الحالية، يعتبر من أولويات الاهتمام الأميركي، فعمان تملك خبرة طويلة في مجال مكافحة الإرهاب، كما أنها تملك نفوذًا استخباراتيًّا كبيرًا، يمتد من وسط العراق إلى الشمال السوري والجنوب، وهي مناطق تغلغل التطرف الإسلامي السني، كما أنها تمسك بالملف الفلسطيني والمخيمات، داخل المملكة وفي الشتات، حيث تعتبر المخابرات الأردنية من أبرز الأجهزة الناشطة في المخيمات الفلسطينية في لبنان.
وعليه فإن من مصلحة لبنان تعزيز هذا التعاون، وترسيخه، تحديدًا في هذه المرحلة التي يسعى فيها لبنان إلى حصر سلطة السلاح بيد الدولة، وبعد التعثر الذي لحق بعملية تسليم السلاح الفلسطيني، وما تبعه من أزمة "فتحاوية" داخلية، عرضت "الأمن اللبناني القومي" للخطر، في ظل الحديث عن إمكان حصول انتفاضة أو انقلاب أبيض ضد سلطة الرئيس محمود عباس.
وأشارت المصادر إلى أن الأردن قدم أنواعًا مختلفة من المساعدات العسكرية للبنان، خلال فترات سابقة، والتي عكست عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والرغبة المشتركة في دعم استقرار لبنان، أبرزها:
-20 مدفع هاوتزر من طراز M114 عيار 155 ملم، أميركي الصنع، محمولًا على هياكل دبابات، كانون الأول 2014، ساهمت في زيادة القدرة النارية للجيش اللبناني وتوفير دعم مدفعي فعال للقوات البرية، وشكلت أهمية خاصة في العمليات العسكرية التي شنها الجيش اللبناني ضد التنظيمات الإرهابية في جرود عرسال والقاع وراس بعلبك، حيث توفر قوة نيران بعيدة المدى لقصف مواقع الإرهابيين.
-20 دبابة أميركية الصنع من طراز "إم 60"، عام 2017، كانت سبقتها دفعة من 10 دبابات من طراز مماثل عام 2010. كانت أخرجت من الخدمة في الجيش الأردني وقد أعيد تأهيلها في معامل التصنيع العسكري في عمان، بتمويل من الولايات المتحدة الاميركية، لتنضم إلى دبابات "ام 48" التي كان حصل عليها الجيش عام 1983.
-62 ناقلة جند مدرعة من طراز M113، في كانون الأول 2024، في إطار تعزيز قدرات الوحدات العسكرية المنتشرة جنوب الليطاني، علمًا أن لبنان يمتلك حوالي 1000 وحدة من هذا النوع، حيث تشكل العمود الفقري لأسطوله المدرع.
هذا فضلًا عن التدريبات المشتركة التي بالرغم من عدم وجودها بشكل مستمر وعلى نطاق واسع بين الجيشين، بشكل مفصل ومعلن، إلا أن هناك تعاونًا في مجالات التدريب المتخصص وتبادل الخبرات في ميادين معينة مثل مكافحة الإرهاب، إدارة الأزمات، والعمليات الخاصة. علما أن عمان قدمت أيضاً مساعدات لوجستية وإغاثية، من مواد غذائية، ومساعدات إنسانية وطبية وإغاثية، ساهمت في دعم القطاع الطبي وتزويد المتضررين بالاحتياجات الأساسية، ما وفر الاحتياجات الأساسية للعسكريين، وعزز صمودهم.
وحول نتائج زيارة قائد الجيش كشفت المصادر، أن مشاوراته ركزت حول سبل تعزيز التعاون العسكري، حيث كان بحث مستفيض في مجالات التدريب والتجهيز وتبادل الخبرات بين الجيش اللبناني ونظيره الأردني، كما بحث ملف المساعدات العسكرية، وإمكانية تنسيق أو زيادة الدعم الأردني للجيش اللبناني، خصوصًا في مجال اللوجستيات والمعدات الخفيفة، على اعتبار أن باقي أنواع المساعدات بحاجة إلى موافقة مسبقة من الجانب الأميركي، كما تم تبادل وجهات النظر حول الوضع الأمني على الحدود، ومواجهة تهديدات الإرهاب أو تهريب الأسلحة، والاتفاق على تعزيز التعاون والتنسيق بين جهازي المخابرات في البلدين.
وختمت المصادر بالقول، بهذا المعنى، يمكن اعتبار المساعدات العسكرية الأردنية رافعة استراتيجية لا تقل أهمية عن الدعم المالي أو السياسي، لأنها تؤسس لشراكة أمنية طويلة الأمد، تتقاطع فيها الضرورات الأمنية مع الرؤية العربية الجامعة لمفهوم الأمن القومي المشترك.