د. أكرم حمدان - خاص الأفضل نيوز
انتهت جلسة مجلس النواب التي كانت مخصصة للبت بطلب رفع الحصانة عن وزير الصناعة السابق النائب جورج بوشكيان وتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في ملف الاتصالات واتهام الوزراء السابقين للاتصالات بطرس حرب، نقولا صحناوي وجمال الجراح، إلى التصويت على رفع الحصانة عن بوشكيان بنتيجة 99 صوتًا ومعارضة صوت وامتناع واحد، وكذلك أقرت الهيئة العامة لمجلس النواب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية بعدما استمعت إلى مطالعة الادعاء النيابية المبنية على طلب القضاء، واستمعت إلى دفاع المتهمين بشكل مباشر وعبر موكليهم، وكانت نتيجة التصويت على تشكيل اللجنة ب88 صوتًا مع تشكيل اللجنة ومعارضة 9 نواب وامتناع اثنين.
وقد تشكلت اللجنة بعد تحويل الجلسة إلى سرية والطلب من وسائل الإعلام مغادرة القاعة العامة للمجلس، من نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب (82 صوتًا)، رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية النائب ابراهيم الموسوي (65 صوتا) والنائب غادة أيوب (56 صوتاً) كأعضاء أصيلين، بعد عملية اقتراع ترشح خلالها إضافة إلى الأسماء الآنفة الذكر كل من النائبين سيزار أبي خليل الذي حصل على 31 صوتاً والنائب بولا يعقوبيان التي حصلت على 25 صوتاً.
كما فاز بالتزكية رئيس لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة النائب فريد البستاني، رئيس لجنة الصحة النائب بلال عبد الله وعضو لجنة الاتصالات النائب ياسين ياسين أعضاء رديفين.
ثم أدى أعضاء اللجنة اليمين أمام الهيئة العامة لمجلس النواب قبل أن يُتلى محضر الجلسة وتُرفع، مع الإشارة إلى أن اللجنة يجب أن تكون من ستة أعضاء (ثلاثة أصيلين وثلاثة رديفين).
إن ما جرى خلال الجلسة وبعض النقاشات القانونية والدستورية يطرح أسئلة عن النتائج الفعلية والحقيقية لهذه الجلسة كما يطرح ضرورة معرفة وإطلاع الرأي العام على ما يقوله الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب وأيضاً ربما تذكر وتفكر المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء؟؟!
بداية، لا بد من التسجيل بأنه من حيث الشكل، نجح مجلس النواب و"المايسترو" رئيس المجلس نبيه بري بعقد وإدارة جلسة من الطراز الرفيع لقيام المجلس بالدور الرقابي والمحاسبي والإصلاحي، وبالتالي فالرسالة وصلت لمن يعنيهم الأمر بأن مجلس النواب يقوم بدوره في مجال الإصلاح وهو ربما يسبق الحكومة والسلطة التنفيذية في ذلك.
ثانياً: إن الحصانة النيابية ورفعها مبدأ يتعلق بالانتظام العام وهو مفصل في الفصل الثالث عشر من النظام الداخلي لمجلس النواب والذي يتضمن المواد (89 -98)
وأهم ما فيها أن قرار رفع الحصانة يُتخذ بالأكثرية النسبية وفقاً للمادة 34 من الدستور، كما ورد في المادة 96 من النظام الداخلي.
كذلك فقد تم تحديد آليات التحقيق البرلماني في النظام الداخلي بالمواد (139-143)، إلا أن الأهم هو الاجتهاد في تفسير المواد الدستورية التي يقوم على أساسها عمل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، حيث المسار المنتظر من لجنة التحقيق البرلمانية في ملف الاتصالات.
فالمواد 70 و71 و72 من الدستور تنص على مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء، وتحديد آلية اتهامهم ومحاكمتهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وتبرز الإشكالية الأساسية في تفسير نص المادة 72 التي تحدد أن محاكمة رئيس مجلس الوزراء والوزراء تكون أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ويجب كف رئيس مجلس الوزراء والوزراء عن العمل فور صدور قرار الاتهام بحقهم.
إن تعبير "يجب كف رئيس مجلس الوزراء والوزراء عن العمل فور صدور قرار الاتهام بحقهم"، يُفسره البعض بأنه لا لبس فيه لجهة حصر عمل ومهام المجلس في محاكمة رئيس الوزراء والوزراء خلال قيامهم بعملهم الوزاري، وبالتالي لا يحق ولا يجوز لهذا المجلس أن يُحاكم وزراء سابقين وأن تبقى لديه الصلاحية تجاه هؤلاء إلى أجل غير مسمى، وهذا كان موقف النائب ملحم خلف الذي عارض إحالة هذا الملف أمام المجلس الأعلى، كون مكانه الطبيعي هو القضاء العادي.
كذلك حصلت إشكالية في الجلسة تتعلق بموضوع الحصانة، إذ أن المجلس النيابي صوت على رفع الحصانة عن النائب جورج بوشكيان كونه متهم بملف كوزير سابق، ولم يفعل هذا الإجراء في ملف وزراء الاتصالات السابقين، وتحديدًا تجاه الوزير السابق نقولا صحناوي كونه نائباً أيضاً.
إذاً هناك أسئلة جوهرية تحتاج إلى أجوبة، وهناك مسارات تُفتح ثم تُقفل ولها علاقة بتعديل بعض النصوص الدستورية والقانونية التي يصح فيها التوصيف بأنها باتت تُشبه الأزهار الاصطناعية أو صور المناظر الطبيعية التي تُعلق في المنزل وهي للمنظر فقط.
وللتذكير، فإن المجلس الأعلى منصوص على إنشائه في المادة 80 من الدستور منذ صدوره في 23 أيار 1926، وقد حددت هذه المادة هيكلية هذا المجلس ومهامه وبعض الأصول الواجب اتباعها عند قيامه بأعماله، فنصت على أن يتشكل من سبعة نواب وثمانية من أعلى القضاة، ويرأس هذا المجلس القاضي الأرفع رتبة وتصدر قراراته بغالبية عشرة أصوات.
إن الإجراءات التي حصلت خلال الجلسة لجهة تقديم الادعاء ورد المتهمين وتشكيل لجنة التحقيق، تم العمل بها بموجب قانون إنشاء المجلس الأعلى الذي كان في 26 تموز سنة 1990، ولكن هل هذا المسار سيصل إلى خواتيمه ونحن على بعد أقل من سنة من نهاية ولاية مجلس النواب؟؟
كما أنه في كل مرة يُفتح فيها ملف المجلس الأعلى يتكرر الحديث من قبل البعض عن أنه مجرد "ديكور" وآلية عمله معقدة جداً.
لننتظر ونرى!