مارينا عندس - خاصّ الأفضل نيوز
بعد خمس سنوات على صدور القانون 178/2020، خطا لبنان خطواته العملية نحو تشريع زراعة القنب لأغراض طبية وصيدلانية، من خلال تشكيل أول هيئة ناظمة لزراعة نبتته في لبنان وتصنيعها.
ولطالما ارتبط اسم الحشيشة في لبنان بجدلية اجتماعية واقتصادية وأمنية، خصوصًا في منطقة البقاع، حيث تشكل زراعتها مصدر دخل للكثير من العائلات منذ عقود.
وعلى الرغم من أنّ الحشيشة تعتبر محظورة قانونيًا، إلا أنّ الواقع فرض تساؤلاته حول جدوى القوانين التقليدية. وبحسب التوقعات، عام 2025 يشير إلى بداية مرحلة جديدة من التطبيق العملي، والقرار اتّخذه مجلس الوزراء بعد مقابلات جرت مع 96 مرشّحًا لمركزي الخبيرين في الهيئة التي تضمّ أيضًا ممثلين عن وزارات الزراعة، الصناعة، الصحة، الداخلية والعدل. وكانت النتيجة تعيين داني فاضل رئيسًا للهيئة، إلى جانب كلّ من الأعضاء ماري تيريز مطر، العقيد أيمن مشموشي، دانا حيدر، مروان جوهر، القاضي جوزف تامر، ومحمد علي مروة.
في منتصف عام 2025، وبعد ضغوط متزايدة من المزارعين وخبراء الاقتصاد، أعلنت الحكومة تشكيل الهيئة الوطنية لتنظيم زراعة الحشيشة، والتي منحت أولى التراخيص الرسمية لعدد من التعاونيات الزراعية في البقاع.
الخطوة اعتُبرت تاريخية، ليس فقط لكونها تشرّع زراعة لطالما كانت غير قانونية، بل لأنها تعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمزارعين، وتفتح المجال أمام استثمارات في مجال الصناعات الدوائية والتجميلية المستخرجة من القنب. الجهود التنظيمية شملت تحديد المناطق الزراعية المرخص لها، شروط الحصول على الرخصة، ومراقبة الإنتاج من الزرع حتى التصنيع. كما وضعت آليات لتتبع الشحنات وتصديرها تحت إشراف الدولة.
وتم التعاون مع منظمات دولية لضمان مطابقة الإنتاج اللبناني للمعايير العالمية، إلّا أن الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات، فالكثير من المزارعين الصغار لا يملكون القدرة على تمويل التحول إلى الزراعة القانونية، ما يفرض ضرورة دعمهم من خلال صناديق تمويل أو شراكات تعاونية، كما أن المخاوف الأمنية من تسلل سوق سوداء أو انحراف المشروع عن أهدافه لا تزال قائمة، ما يتطلب رقابة صارمة ومستدامة.
لبنان اليوم يقف على أعتاب مرحلة مفصلية؛ إذ بدأت الدولة أخيرًا بترجمة قانون الحشيشة إلى خطوات عملية قد تؤسس لقطاع إنتاجي جديد وواعد، إذا ما أُحسن تنظيمه ومراقبته.
النجاح في هذه التجربة لا يعتمد فقط على تشريع القوانين، بل على قدرة الدولة على حماية المشروع من الفساد، ودعم المزارعين، وفتح الأسواق أمام الإنتاج الشرعي. وبين التشريع والتنظيم، تُكتب فصول جديدة من علاقة لبنان المعقدة مع الحشيشة... لكن هذه المرة تحت مظلة القانون. فهل يحمل هذا التحوّل بوادر نهضة اقتصادية وقانونية؟ أم أنه مجرد محاولة متأخّرة لقوننة واقع شاذّ، محفوف بالمخاطر السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟
هكذا إذًا وعد الرئيس نواف سلام ووفى، فاستكملت السلطة التنفيذية ما بدأته السلطة التشريعية قبل سبعة أعوام تقريبًا، حين أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال مناسبة إحياء ذكرى الإمام موسى الصدر، عن تشريع الزراعة، ليكون المستفيد الأول منها المزارع والعامل والفلاح وصاحب الأرض، وليس المهرّب كما هو الحال حاليًا. تزامنت وعود بري حينها مع إشارات إيجابية وردت في خطة "ماكينزي" التي قدّمت توصيات للنهوض الاقتصادي في لبنان، إلّا أنّ القانون لم يسلك الطريق باتجاه إصدار المراسيم التطبيقية، مع أنه أُقرّ في العام 2020 بأوج الأزمة المالية، واعتبر أحد الحلول "غير التقليدية" لتحفيز الاقتصاد الريفي وجذب الاستثمارات في الصناعات الدوائية. ففوّت هذا التأخير، إيرادات على الدولة تقدّر بحسب خطة "ماكينزي" بنحو مليار دولار سنويًا. و "هي أرقام ليست وهمًا" وفقًا لما قاله وزير الصناعة جو عيسى الخوري، في مؤتمر زراعة القنب بين الواقع والمرتجى الذي استضافه السراي الحكومي قبل يوم واحد من إعلان تشكيل الهيئة، بل تستند إلى معطيات واقعية: من مناخ ملائم، تربة خصبة، خبرة تراكمية لدى المزارعين، وكلفة إنتاج تنافسية لا تتعدّى 20 سنتًا للغرام الواحد، مقارنةً بـ 40 إلى 60 سنتًا في الأسواق العالمية".
لم ينف رئيس الحكومة نواف سلام خلال مؤتمر السراي أنّ المعوقات كثيرة وكذلك التعقيدات التنظيمية والمؤسّساتية، ولكنه أكد سعي الحكومة إلى معالجتها بتنسيق محكم وجهد مشترك بين السلطات المعنية.
فالواقع غير الشرعي لزراعة القنب الهندي المستمرّ منذ عقود طويلة، خلّف عقدًا جمعت بين أبعاد اجتماعية – صحية، وقانونية وسياسية – اقتصادية. وهذا ما يجعل التحوّل القانوني المنشود غير منفصل عن الحاجة للإصلاحات المطلوبة، لإخراج لبنان من دائرة الزراعة اللاشرعية، وتلقّف فرصته المتاحة للتحوّل التاريخي نحو تشريع هذا القطاع.
كيف تحلّ إشكالية المزارعين الملاحقين قضائيًا؟
في البعد القانوني، يكفي التوقّف عند حديث النائب أيوب حميد رئيس لجنة الزراعة والسياحة عن نحو 30 ألف مزارع ملاحق قضائيًا ببلاغات بحث وتحرّ بسبب ممارستهم زراعة الحشيشة غير الشرعية، وهؤلاء وفقًا لنصوص القانون لا يمكن دمجهم في الدورة الاقتصادية الشرعية من دون معالجة وضعهم القانوني عبر عفو مشروط أو تسوية سياسية – قانونية، علمًا أنّ القانون بحسب حميد لم يأت صدفة، بل نتج عن واقع تفشي آفة زراعة الحشيشة على مستوى البقاع وبعض المناطق، ووعود سلبية ومسيئة أعطيت لهم، بمقابل ضغوطات دولية وعالمية مورست لمكافحة هذه الآفة.
انطلاقًا ممّا ذكر، رأى النائب بلال العبدالله رئيس لجنة الصحة النيابية، أنّ ملف تشريع زراعة القنب قد يكون اقتصاديًا، ولكنه أيضًا ملف سياسي وأمني واجتماعي دقيق، ويحتاج إلى تغطية سياسية كاملة ودولة لها هيبة تأخذ القرار وتنفّذه. مؤكّدًا أيضًا أنه إذا لم تكن هناك تسوية سياسية للملف الأمني القضائي لمزارعي الحشيشة سابقًا فلا يمكن لأي شركة أن تستثمر في الأرض.