يحيى الإمام - خاصّ الأفضل نيوز
عاد الأسير المحرّر جورج إبراهيم عبد الله من الماضي ليذكرَنا بأننا رغم اختلاف الطوائف والمذاهب والمناطق، أبناء وطن واحد وأمة واحدة لا يمكن أن تهزَم أو تموت مهما أثخنتها الجراح ومهما تكالبَ عليها المتكالبون الحاقدون الطامعون ، عاد جورج عبد الله المناضل العربي العنيد والصلب من غيابات سجون فرنسا بعد إحدى وأربعين سنة أمضاها خلف القضبان بسبب اقترافه جرم الوفاء لفلسطين، وحق شعبها في الحياة الكريمة، وصدق الانتماء لأمة ولّادة للفدائيين والأبطال، لا تقدس إلا نهجهم وأفكارهم، ولا تمجّد إلا تضحياتهم من زمن الفدائي الأول المسيح عليه السلام الذي ولد في فلسطين ليحرّر الإنسانية من عذاباتها، ويصرخ في مسمع الأرض كلها ويقول : ( تعالوا إليَّ أيها المتعبون وأنا أريحكم ) إلى زمن كل طفل مسيح يقا و م التجويع والحصار والقتل والدمار والتشريد والتهديد.
عاد إلينا لكي يعيدَ لنا ثقتنا بأنفسنا وقيمنا الأصيلة والنبيلة، فيشكرَ المقا و مين والشهداء وغزة والضاحية بعد نسياننا واجبَ شكرهم والاعتزاز بهم .. عاد شيخنا الشيوعي الجليل من أسره لكي يجدَنا أسرى الطائفية والإقطاع والجهل والعصبيات الجاهلية والبؤس والتخلف والفساد والحرمان ، عاد ولم يستقبله في مطار بيروت ولم يفرح لعودته هناك وعبر وسائل الإعلام والتواصل إلا الذين ماثلوه في دفع التكاليف والأثمان وتقديم التضحيات الجسام تكريماً لصبره وثباته وعناده وأصالته ، وكما يقول الشاعر العربيُّ : " لا يعرف الشّوقَ إلا من يكابده .. ولا الصبابةَ إلا من يعانيها " .
وقبل الحديث عن حديثه الرائع ومواقفه التي أطلقها على مسمع التاريخ ، لا بد لنا أن نعرض بطاقة تعريف بهذا الرجل المناضل ولا بد من أن نضيء باختصار على إنجازه العظيم الذي تسبّب بتقييد حريته أربعة عقود من الزمن :
جورج إبراهيم عبد الله هو مناضل لبناني، وُلِد في نيسان 1951 في بلدة القبيّات في عكار -شمالي لبنان ، وفي سبعينيات القرن العشرين زاد اهتمامه بالقضايا القومية العربية وحقوق الفلسطينيين، فناصَرَ النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرا ئيلي، وانضم إلى الحركة الوطنية اللبنانية.
في أوائل الثمانينيات أسس مع آخرين "الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية"، واعُتقل في مدينة ليون -فرنسا عام 1984 بتهم تتعلق بتزوير وثائق وحيازة أسلحة، والتواطؤ في اغتيال الملحق العسكري الأميركي تشارلز راي، والدبلوماسي الإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف،
وحُكم عليه عام 1987 بالسجن المؤبد، ورغم انتهاء مدة العقوبة واستيفائه شروط الإفراج عنه عام 2009، فإن طلبات الإفراج عنه رُفضت عدة مرات بسبب ضغوط أمريكية إسرا ئيلية.
وبعد إطلاق سراحه ووصوله إلى مطار بيروت، قال يوم أمس -الجمعة في 25 يوليو 2025 :
"من المعيب للتاريخ أن يتفرج العرب على معاناة أهل فلسطين وغزة".
وأضاف: "ننحني أمام دماء شهداء المقاومة إلى الأبد فهم القاعدة الأساسية لأي فكرة تحرر في العالم"، ثم قال :
"إس را ئيل تعيش آخر فصول نفوذها ويجب على المقاو مة وفلسطين أن تستمرّا حتى دحر الاحتلال الإسرا ئيلي".
وأكد المناضل الكبير بأن اللوم على تخاذل الأمة عن نصرة الأطفال الجائعين والذين باتوا كالهياكل العظمية المتحركة ، لا يقع على الأنظمة العربية وحدَها وإنما على الجماهير العربية أيضاً ، فصمت الجماهير هو بمثابة القبول والرضا والمشاركة في العدوان ...
وختاماً نقول : عندما يتحدث المناضل الشيوعي والمسيحي الماروني عن أزهر مصر وعن كعبة محمد بن عبد الله ( ص ) ، وهو يعتز بالإسلام الذي أغنى عروبتَه وأضاف إلى مخزونها الحضاري الكثير الكثير من القيم الروحية والإنسانية ، فإنه فعلاً يعيد لنا الأمل بغدٍ مشرق، وفعلاً يؤكد بأنه قائد حر ينتمي إلى أمة تتنوع مكوّناتها كباقة من الأزهار ويزيد هذا التنوع في رونقها ونشر عطورها في أرجاء الأرض ..
شكراً جورج عبد الله لأنك كنت مسيحياً بحق، ترفض الظلم والعدوان ومسلماً بحق ، تباهي بقيم محمد عليه السلام .. شكراً أيها الكبير الكبير .