عبدالله قمح - خاصّ الأفضل نيوز
ما تزال الحكومة اللبنانية تنتظر الرد الأميركي على الورقة التي قدّمها لبنان ردًا على الأسئلة والشروط الأميركية، لا سيّما في ما يتعلق بملف حصر السلاح بيد الدولة. ورغم أن بعض المؤشرات الداخلية تعكس انزعاجًا من بعض مضامين هذا الرد، فإن الأوساط الرسمية ما تزال تعتبر أن “الوساطة الجوالة” والتواصل الجاري عبر “اللجنة الرئاسية” يشكّلان عنصرًا قادرًا على تعديل موازين عدة.
عمليًا، جاءت أولى الردود على الرسالة اللبنانية من الجانب الإسرائيلي، من خلال تكثيف الضربات الجوية ذات الطابع الأمني جنوب لبنان، والتي تستهدف عناصر من المقاومة. أما البُعد الثاني فتمثّل في ضربات جوية استهدفت المرتفعات، في حين ارتبط البُعد الثالث بزيادة عمليات التحصين والتدشيم في مواقع استحدثتها إسرائيل داخل الأراضي اللبنانية. وكأن تل أبيب أرادت القول إنها غير معنية بأي حديث عن انسحابها من المناطق التي احتلتها بعد شباط 2025.
نظريًا، تحاول إسرائيل تكريس تفوقها العسكري الجديد، وتبعث برسالة مفادها أنها ليست في وارد التوصل إلى أي تسوية مع لبنان، إلا إذا اشترطت الحكومة اللبنانية نزع سلاح “حزب الله” بالكامل.
ويبدو أن الموقف الإسرائيلي تفوّق على الموقف الأميركي، إذ فُهم من كلام المبعوث الأميركي المؤقت توم براك خلال زيارته إلى بيروت، أن واشنطن لم تعد تكتفي بطرح تسليم الأسلحة الثقيلة التي تهدد إسرائيل فقط، بل باتت تطالب الحزب بتسليم جميع أسلحته، وعدم الاحتفاظ بأي نوع من العتاد.
قد يُنظر إلى هذا الطرح كدعوة جدّية، لكنه يوحي أيضًا بوجود آلية ضغط أميركية جديدة تُحمّل الدولة اللبنانية مسؤولية مباشرة في مسألة سلاح الحزب. ويتجلى هذا التوجّه في الطرح الأميركي القائل بضرورة انتقال لبنان من الأقوال إلى الأفعال، أي من مجرّد التأكيد النظري على حصر السلاح بيد الدولة، إلى اتخاذ قرار رسمي في مجلس الوزراء يكرّس هذا المبدأ ويصبح ملزمًا للحكوم، مع العلم أن أي خيار مشابه لا يتمتع بتوافق لبناني داخلي.
حتى ذلك الحين، ستستمر إسرائيل في الاحتفاظ بالمواقع التي احتلّتها، وبتنسيق واضح مع واشنطن. ويُراد لتلك المواقع أن تبقى قائمة، أو على الأقل أن يُتّفق على وجودها بين لبنان وإسرائيل وفق صيغة ترتيبات أمنية، تشبه تلك التي تعمل تل أبيب على بلورتها مع دمشق. وهذا يعني أن واشنطن تُدرك جيدًا أن إسرائيل ليست بصدد التخلي عن هذه النقاط، ولهذا بدأت تروّج لنظرية “المنطقة العازلة” أو “المنطقة منزوعة السلاح” في الجنوب. المشكلة لا تكمن في التسمية، بل في التطبيق.
وترى واشنطن وتل أبيب أن من الممكن الوصول إلى هذه النتيجة عبر أفكار متعددة، من بينها مشروع “أبراج المراقبة” الذي طرحه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي خلال زيارته إلى بيروت هذا الشهر، والذي اعتبره الصيغة المثلى لإنهاء التوتر الحدودي بين لبنان وإسرائيل.
لكن رغم ذلك، تفيد المعطيات أن واشنطن لم تطرح رسميًا حتى الآن فكرة المنطقة العازلة أو أي صيغة مشابهة، بل إنها ما تزال تركز على الضغط على الدولة اللبنانية لحملها على الضغط بدورها على “حزب الله” من أجل تسليم سلاحه.
في الموازاة، تظهر تل أبيب ميلاً أكبر لتصعيد ضغوطاتها العسكرية تجاه لبنان، المنسقة مع واشنطن، وقد وصلت إلى بيروت ملاحظات على هذا النحو قبل أيام قليلة، تولى نقلها دبلوماسيون وشخصيات زارت عواصم أوروبية خلال الأسابيع الماضية.