ميرنا صابر - خاص الأفضل نيوز
يتجه العالم بخطوات متسارعة نحو اقتصاد رقمي، حيث يختفي النقد الورقي تدريجيًا لتحل مكانه أنظمة الدفع الإلكتروني والعملة الرقمية المركزية (CBDC). هذه الخطوة تُقدَّم كطريق إلى الشفافيّة ومحاربة الفساد، لكنها في الوقت نفسه تثير مخاوف عميقة من تحوّلها إلى وسيلة مراقبة شاملة تحدّ من حرية الأفراد الاقتصادية.
التجارب العالميّة متنوعة: في الصين مثلًا، أدّى إطلاق "اليوان الرقمي" إلى تعزيز سيطرة الدولة على تفاصيل حياة الأفراد الماليّة. أما في نيجيريا، فقد قوبل مشروع العملة الرقميّة برفض شعبي واسع، ما أدى إلى أزمة ثقة وتنامي السوق السوداء.
في المقابل، نجحت السويد في تجربة متوازنة عبر الـe-krona، إذ أبقت النقد الورقي متاحًا ودمجت الدفع الرقمي بسلاسة في النظام المالي. أما الهند، فرغم الفوضى التي رافقت قرار سحب الفئات الكبيرة من العملة عام 2016، إلا أن الخطوة فتحت المجال لازدهار منصات الدفع الرقمي مثل UPI، التي أصبحت اليوم ركيزة أساسية لاقتصادها.
في لبنان، تبدو الصورة أكثر تعقيدًا. فالأزمة المالية والانهيار المصرفي جعلت الكاش الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام المواطنين للتعامل اليومي. من هنا يؤكد الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق المحامي كارابيد فكراجيان، لـ"الأفضل نيوز" أنّ: "العملة الرقميّة المركزية قد تعيدنا إلى نظام موجَّه خطير، حيث يفقد الفرد القدرة على التصرف بأمواله بحريّة، ما يفتح الباب أمام مجاعات وانهيارات اجتماعية إذا أسيء استخدامها".
ويضيف فكراجيان أنّ: "الاقتصاد الرقمي، وإن كان يُسوّق له كأداة شفافيّة، قد يتحوّل إلى أداة قمعيّة إذا لم يُقرن بضمانات قانونيّة واضحة.
وأشار الأخير لـ"الأفضل نيوز" إلى مفارقة لافتة: "لبنان، رغم انهياره المالي، نجح في الصمود جزئيًا بفضل وجود اقتصاد نقدي خارج المصارف، وهو ما حماه من الانهيار الكامل".
اليوم، يقف العالم، ولبنان جزء منه، أمام سؤال مصيري: هل التحوّل الرقمي سيجعل الاقتصاد أكثر عدلاً وشفافية، أم يحوّله إلى سجن مالي إلكتروني يقيّد الأفراد ويضع مفاتيح أموالهم بيد الدولة؟