لينا شعشوع- خاص "الأفضل نيوز"
الموضة مرآة الأزمنة
لم تكن الأزياء في بداية القرن العشرين مقتصرة على الوظيفة العملية، بل شكّلت مؤشّرًا اجتماعيًا وثقافيًا واضحًا. في بيروت ومحيطها، ظهر مزيج بين التأثير العثماني والاتجاهات الأوروبية التي دخلت عبر المدارس والإرساليات، ما أوجد نمطًا بصريًا يجمع بين الشرق والغرب، حيث كانت الملابس تعكس الطبقة الاجتماعية والذوق والانفتاح على العالم.
من الخياطة اليدوية إلى الموضة الوافدة
قبل انتشار العلامات التجارية العالمية، اعتمد الناس على الخياطة المنزلية، وأسواق الأقمشة، ومحلات صغيرة تستورد فائض الموضات الأوروبية. كانت القطعة تُفصَّل لتدوم سنوات، مع قابلية الإصلاح وإعادة الاستخدام داخل الأسرة. هذا المفهوم، الذي يبدو اليوم حديثًا، تعود إليه دور أزياء عالمية مثل “شانيل” التي لا تزال تعتمد على قصّات أرشيفية تعود إلى عشرينيات القرن الماضي، وتعيد تقديمها بتفاصيل معاصرة من دون المساس بالجودة.
حين تغيّر العالم.. تغيّرت الأزياء
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تغيّر المشهد مع دخول ثقافة الملابس الجاهزة والإنتاج السريع. تراجع العمل الحِرفي لصالح الكمّ، وازدادت دورات الموضة وتنوّعت الاتجاهات. هذا التحوّل لم يقتصر على الأسواق المحلية، بل شمل العالم كله، قبل أن تعود دور مثل ديور لاحقًا إلى أرشيفها، وتستعيد تصاميم كلاسيكية كـ “New Look”، في محاولة لإعادة التوازن بين السرعة والهوية.
لماذا تعود الأزياء القديمة اليوم؟
تُفسَّر عودة الطرازات القديمة بعدة عوامل مترابطة. أولها الابتعاد المتزايد عن “الفاست فاشن”، مع ارتفاع الوعي البيئي وتأثير صناعة الملابس على الطبيعة، ما دفع المستهلكين إلى القطع المستعملة والـ vintage. ثانيها البحث عن الجودة، إذ تُظهر المقارنات أن الملابس القديمة كانت تُنتج بأقمشة متينة وخياطة أدق. أما العامل الثالث، فهو الدورات الزمنية للموضة، التي تعود كل نحو 30 عامًا، وهو ما يفسّر استلهام غوتشي لأسلوب السبعينيات بألوانه الجريئة وقصّاته الواسعة، وعودة برادا إلى بساطة التسعينيات وخطوطها المستقيمة.
من أين كان الناس يحصلون على ثيابهم؟
تاريخيًا، اعتمد الأفراد على أسواق القماش في بيروت القديمة، والخياطين المحترفين، إضافة إلى استيراد فائض الموضة الأوروبية. ومع اتساع حركة التجارة، ظهرت “البالات”، التي كانت خيارًا اقتصاديًا في الماضي، وأصبحت اليوم جزءًا من ثقافة الموضة البديلة، حتى إن دورًا عالمية باتت تستلهم منها فكرة إعادة الاستخدام.
الحاضر: حين يلتقي الماضي بالتكنولوجيا
اليوم، تشهد الموضة تلاقيًا بين الذكاء الاصطناعي في تحليل الاتجاهات، والعودة الواضحة إلى التصاميم القديمة. هذا المزج يسمح بإعادة توظيف قصّات وأفكار من الماضي ضمن سياقات حديثة، ليصبح الماضي مصدر إلهام يُحافظ على قيمه ويواكب الحاضر.

alafdal-news
