ميرنا صابر – خاص الأفضل نيوز
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقررة في لبنان، تعود الهواجس القديمة إلى الواجهة: هل ستُجرى الانتخابات في موعدها أم أن البلاد تتجه مجدداً إلى سيناريو التأجيل؟ هذا السؤال يخيّم على الأوساط السياسيّة والشعبيّة على حدّ سواء، خصوصاً مع الأزمات المتلاحقة التي ترهق الدولة على المستويات الاقتصاديّة، الأمنيّة، والإدارية.
الجهات الرسميّة لم تُصدر بعد أي قرار واضح، لكن المؤشرات السياسيّة والعمليّة تعكس صعوبة الالتزام بالجدول الزمني. البعض يربط هذا التردد بملف قانون الانتخاب الحالي، فيما يربطه آخرون بحسابات القوى السياسية التي ترى أن ميزان القوى قد لا يكون لصالحها إذا جرت الانتخابات في موعدها.
في هذا الإطار أكد المحلل السياسي محمد علوش لـ"الأفضل نيوز" أنّ: "موضوع الانتخابات النيابية هو موضوع شائك، لكونه لا يتعلق فقط بقرار القوى السياسية الداخلية، إنما أيضًا بقرار الخارج. وإذا أردنا التحدث عن مسألة تأجيل الانتخابات وما هي المصلحة، فلا بد من الإشارة إلى أن كل القوى السياسية لها مصلحة بالتأجيل، ولكن كل طرف لأسباب مختلفة. على سبيل المثال الثنائي الشيعي قد يرى أن المرحلة الحالية مليئة بالضغوطات، وبالتالي فإن تأجيل الانتخابات سيكون لصالحه لكي لا ينشغل بملف معقد جديد، وربما يطالب بأن يكون التأجيل لفترة طويلة، تتجاوز السنة، بحال تم التوافق على التأجيل.
القوات اللبنانية قد تفضل التأجيل لأسباب تتعلق بتحقيق المشروع الأميركي المرتبط بسلاح حزب الله، ولأجل أن يكون المجلس النيابي المقبل هو من سينتخب رئيس الجمهورية الجديد.
التيار الوطني الحر أيضًا يفضّل التأجيل بسبب ظروفه الحالية، ولرغبته في إعادة بناء توجهاته وتحالفاته السياسية، وهو أمر يحتاج إلى وقت. كل طرف يملك مصلحة معينة في تأجيل الانتخابات، ولكن في النهاية، القرار لن يكون محصورًا برغبة اللبنانيين وحدهم ".
على الصعيد اللوجستي، تواجه وزارة الداخليّة تحديات ضخمة مرتبطة بتأمين التمويل لإجراء العمليّة الانتخابيّة، من طباعة اللوائح إلى تجهيز أقلام الاقتراع. الأزمة الماليّة الحادة تجعل أي عمليّة بهذا الحجم عبئاً يفوق قدرات الدولة حالياً. يضاف إلى ذلك أزمة الثقة بين المواطن والطبقة السياسية، حيث يخشى كثيرون أن يتحول أي تأجيل إلى وسيلة لتمديد ولاية المجلس النيابي الحالي وتكريس الفراغ الديمقراطي.
لكن هناك أيضاً من يقرأ المشهد من زاوية إقليميّة. فالمعادلات السياسية في لبنان لا تنفصل عن التطورات في المنطقة، خصوصاً مع اشتداد التوترات على الحدود الجنوبية وملفات التفاوض المفتوحة مع المجتمع الدولي. يشير علوش في حديثه أنّ:"الخارج، لا يتعامل مع الانتخابات من منطلق كونها استحقاقًا دستوريًا لبنانيًا يجب احترامه، بل يسعى إلى استغلال هذا الاستحقاق لتحقيق مشروع سياسي معيّن، يهدف إلى تغيير موازين القوى في المجلس النيابي بعد تغييرها في انتخابات الرئاسة وتشكيل الحكومة ". مضيفًا: "يبدو أن الانتخابات ستُجرى في موعدها، خصوصًا مع بدء بعض القوى السياسية التحضير الجدي لها، في معركة يُتوقع أن تكون من الأهم في تاريخ لبنان السياسي".
بين هواجس التأجيل ومطالب الإصرار على الاستحقاق، يعيش لبنان مرحلة مفصلية قد تحدد ملامح المشهد السياسي للسنوات المقبلة. فالانتخابات لم تعد مجرّد موعد دستوري، بل اختبار حقيقي لمدى قدرة الدولة على احترام التزاماتها وإعادة بناء ثقة مواطنيها.