نوال أبو حيدر -خاصّ الأفضل نيوز
في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة التي يعاني منها لبنان، عاد ملف العلاقة المتوترة بين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبعض المستشفيات إلى الواجهة، مع تصاعد الاتهامات بتجاوز العقود الرسمية وفرض فروقات استشفائية باهظة على المرضى المضمونين. هذه الظاهرة، التي تكررت بين الحين والآخر، وضعت المضمونين في موقع الضحية، وأثارت تساؤلات جدية حول مدى التزام المؤسسات الصحية بالدور الإنساني المفترض في مواجهة منطق الربح التجاري المسيطر على القطاع.
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أعلن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن فسخ عقديه مع مستشفى المقاصد ومستشفى سان جورج، مستنداً إلى مخالفات مالية وإدارية خطيرة أضرّت بحقوق المرضى وخرقت شروط التعاقد.
من هنا، المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الدكتور محمد كركي، يؤكد لـ"الأفضل نيوز" أن "الهدف لم يكن أبداً فسخ العقود، بل حماية المضمونين وضمان تقديم الخدمات الطبية وفق التعريفات الرسمية، دون تحميلهم أعباء مالية إضافية تفوق طاقاتهم".
ويوضح كركي أن "الأسباب الرئيسية وراء القرار تمثلت في ثلاث نقاط: فرض المستشفيين فروقات مالية كبيرة على المرضى، طلب مبالغ مالية مسبقة تحت مسمى "تأمين دخول"، وتعامل غير لائق مع المضمونين، ما أدى إلى شكاوى متكررة. إذ إن هذه المخالفات ليست جديدة، لأن الصندوق وجه لها عدة إنذارات رسمية خلال أربعة إلى خمسة أشهر، إلا أن المستشفيات المعنية لم تبادر إلى تصحيح المسار أو التعاون مع إدارة الضمان، بل توقفت عن التجاوب تماماً، مما استدعى اتخاذ قرار فسخ العقود".
وفي سياق متصل، يقول كركي: "يحرص الصندوق على علاقة تعاونية متوازنة بين الطبيب، والمستشفى، والمضمون، والضمان، مشيرًا إلى أن جلسة العمل التي جمعته بنقيب المستشفيات كانت إيجابية ووضعوا خلالها النقاط الأساسية بوضوح. كما وأن الصندوق على استعداد لتلبية متطلبات المستشفيات المالية، شرط توفر نية حقيقية للالتزام بالتعريفات الرسمية واحترام إدارة الضمان".
أمام كل تلك المعطيات، يشير كركي إلى أن "نسبة الالتزام بالتعريفات الرسمية التي يحددها الضمان في العديد من المناطق اللبنانية تُعد مرتفعة ومشجعة، حيث تتراوح بين 90% و100% في محافظات الجنوب، البقاع، الشوف، عاليه، والشمال. هذه النسبة تعكس مدى التزام المستشفيات في هذه المناطق بتطبيق شروط التعاقد مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مما يضمن للمضمونين الحصول على خدمات طبية وفق الأطر المالية المحددة دون تحميلهم أعباء مالية إضافية".
ومع ذلك، يشرح أنه "هناك بعض المخالفات التي رُصدت في مناطق بيروت، المتن، وكسروان، حيث لوحظ عدم الالتزام الكامل بالشروط، ويتم معالجة أمورها، إذ تتطلب متابعة دقيقة واستقصاء ميداني مكثف".
من جانبه، عبر نقيب المستشفيات، البروفيسور بيار يارد، عن تفهمه للوضع، مؤكداً "على تواصله المستمر مع الدكتور كركي في محاولة لإيجاد حلول فعالة، معتبراً أن الهدف الأساسي هو الحفاظ على علاقة سليمة ومتوازنة قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون لما فيه مصلحة المرضى المضمونين. شارحاً أن الإجراءات التي اتخذها الضمان استندت إلى شكاوى تم التحقق منها، داعياً إلى عقد اجتماع قريب بين الطرفين لمناقشة جميع القضايا بشفافية وإعادة بناء الثقة وتثبيت قواعد الالتزام".
في الخلاصة، وفي ضوء هذه التحديات، يصبح من الضروري تعزيز آليات الحوار والتنسيق بين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمستشفيات، لترسيخ ثقافة الالتزام والمسؤولية المشتركة. فالتعاون الحقيقي والشفافية هما السبيل الوحيد لضمان استمرارية تقديم خدمات صحية عادلة ومتوازنة تحمي حقوق المضمونين وتدعم استقرار القطاع الصحي في لبنان، خصوصاً في ظل الأوضاع الراهنة التي تتطلب تكاتف الجميع للعمل من أجل مصلحة المواطن والمجتمع.