عبد الله قمح -خاصّ الأفضل نيوز
سلام يريد وضع يده على الجيش
تقليد رئيس الجمهورية جوزاف عون قائد الجيش العماد رودولف هيكل وسام الأرز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر، “تقديراً لعطاءاته والمهام القيادية التي يتولاها”، جاء في توقيت تُشن فيه حملة سياسية واسعة على الجيش وقائده، وعلى العهد ورئيسه. وبالتالي لا يمكن فصل الرسائل الكامنة خلف هذا التقليد عن سياقها السياسي الداخلي.
قبل مدة قصيرة، نُقل عن قائد الجيش، وقبله عن رئيس الجمهورية جوزاف عون، أنهما ليسا في وارد إقحام المؤسسة العسكرية في أزمة أمنية مع أي مكوّن سياسي لبناني. وفُهم من ذلك أن الجيش ينأى بنفسه تحديداً عن أي مواجهة مع حزب الله، وجاء هذا الكلام رداً على من كانوا يدفعون باتجاه هذا المشروع.
المشكلة الأساسية الراهنة، التي كشفتها أزمة إنارة صخرة الروشة، تتصل بجزء كبير منها بالخلاف المستحكم بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة حول عدة أمور إجرائية ويبدو أن جزءًا منها يتصل في دور كل منهما في إمرة الجيش، أو عملياً حول من يتولى هذه الإمرة في وقتٍ يظهر سلام نوايا واضحة في مشاركة رئيس الجمهورية هذه الإمرة.
فالرئيس نواف سلام، بدأ يشكو متأخراً من وصاية رئيس الجمهورية على الأجهزة الأمنية، يسعى أساساً لأن يكون لاعباً مؤثراً داخل المؤسسة العسكرية. وهو يعتقد أن هذه المؤسسة يجب أن ترضخ لقرارات السلطة التنفيذية ممثلة برئاسة مجلس الوزراء مجتمعة أو برئيس الحكومة، لا برئاسة الجمهورية، في ما يخالف نصاً وروحاً اتفاق الطائف الذي يعتبر أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
في هذا السياق، استطاع سلام، بمعاونة "صحبة" بعض النواب “المفكرين” الذين يجدون مكانهم في ملعب "التناقضات"، من اختراع نظرية جديدة من شأنها كما يقولون رفع قيمة وحضور سلام السياسي، مفادها أن رئيس مجلس الوزراء، بصفته صاحب الصلاحيات التنفيذية، يصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة في حال غياب رئيس الجمهورية عن البلاد. وقد اشتد الخلاف حول تفسير معنى “غياب الرئيس”، بين من اعتبره غياباً جسدياً وروحياً، وبين من رآه غياباً مكانياً أو زمنياً محدوداً. لكنّ اتهامات وُجهت بوضوح إلى سلام بمحاولة تعديل صلاحيات رئيس الحكومة بالممارسة، عبر مدّ اليد إلى صلاحيات الآخرين واختراع ذرائع دستورية غير موجودة.
سلام ومن حوله يعتقدون أن الوضع الراهن في البلاد، وموقعهم السياسي والإقليمي وتصنيفهم له بأنهم “رابحون”، يعتقدون بقوة أنه يؤهلهم للعب هذا الدور، فضلاً عن اقتناعهم بأن الاندفاعة الخارجية تشكل دعماً لرئيس الحكومة مقارنةً مع رئيس الجمهورية الذي يعاني ــ وفق تقديرهم ــ من عجز إقليمي ودولي، بدليل نتائج زياراته الخارجية الأخيرة.
أكثر من ذلك، يبدو أن سلام وفريقه يلعبون على تناقضات داخلية لتعزيز دور رئيس الحكومة على حساب رئيس الجمهورية، عبر تظهير مشهد إعلامي وسياسي يرسّخ صورة سلام باعتباره الطرف “المشاكس” وغير المهادن لحزب الله، من دون أن تأخذه خطوط حمر تجاهه في مقابل جبهة مهادنة يقودها الرئيس.
ويأمل في دفع الجيش والقوى الأمنية نحو فرض حصرية السلاح بالقوة، تماماً كما يرغب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. هذا المسعى يوحي برغبة في إخضاع المؤسسة العسكرية وترويضها، على أمل تحصيل دعم خارجي مؤثر. لكن ما قد لا يدركه سلام هو أن هذه اللعبة قد تنقلب سلباً عليه. فالشخصيات التي عيّنها رئيس الجمهورية في المواقع الأمنية تُعتبر قريبة منه وملتزمة برؤيته، وهي ترى في حماية العهد والسلم الأهلي خطاً أحمر يمنع أخذ البلاد إلى مواجهة مفتوحة.
ومن هنا، كلما اشتد ضغط رئاسة الحكومة عليهم، كلما تعزز موقف هؤلاء القادة وتصلبوا أكثر، ما قد يفاقم الأزمة ويدفع البلاد إلى أزمة حكم مفتوحة.
خلال الساعات الماضية، ومع تحوّل أزمة صخرة الروشة إلى ما يشبه تشابك صلاحيات بين الرئاستين الأولى والثانية، تدخلت شخصيات ومرجعيات سياسية وازنة لدى رئاسة الحكومة، ناصحةً إياها بضرورة التراجع عن مسار قد يقود إلى منزلقات خطيرة، أو يحوّلها إلى الطرف الخاسر إذا ما أخطأت الحسابات.