نوال أبو حيدر- خاصّ الأفضل نيوز
وسط الأجواء المالية التي لا تزال تتسم بالغموض والتخبط، لا يزال ملف الودائع العالقة في المصارف يشكّل الهمّ الأكبر لدى المواطنين، في ظل غياب خطة شاملة لإعادة هيكلة القطاع المالي. وبينما يكثر الحديث في الإعلام عن احتمال رفع سقوف السحوبات المحددة في التعميمين 158 و166، تبقى الصورة الحقيقية مختلفة، إذ إن هذا الطرح لا يزال غير محسوم ويرتبط بسلسلة تطورات سياسية واقتصادية وقانونية، أبرزها مصير قانون الفجوة المالية المنتظر.
رفع سقوف التعميمين: بين التصريحات والواقع غير المحسوم
انطلاقًا من ذلك، يقول الكاتب والخبير الاقتصادي الدكتور أنطوان فرح، لـ"الأفضل نيوز" إنه "على الرغم من كل الكلام الذي يُقال في الإعلام حول أنه أصبح هناك قرار برفع سقف التعميمين 158 و166، إلا أنّ الأمر حتى الآن غير محسوم، ولا يوجد أي قرار رسمي واضح في هذا الاتجاه".
ويتابع: "في الحقيقة، مصرف لبنان كان يُصرّ على عدم تغيير سقف التعميمين إلا بعد إقرار قانون الفجوة المالية، أي القانون المتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإعادة أموال المودعين، وذلك على اعتبار أن رفع سقف التعميمين يجب أن يأتي ضمن إطار الحل الشامل، لا كخطوة منفصلة. كما أنّ المفترض أن يشكّل كل من التعميمين الطريقة العملية لدفع الودائع الصغيرة (أي التي هي 100 ألف دولار وما دون)، وبالتالي فإن أي تعديل في سقف السحوبات يجب أن يكون منسجمًا مع خطة تعافٍ مالية شاملة، تضمن عدالة التوزيع وعدم المسّ بما تبقى من احتياطات أو من توازن نقدي هش. بالتالي، فإن رفع السقوف لا يمكن أن يتم خارج إطار قانوني وتنظيمي واضح، وهو ما لا يزال غائبًا حتى الساعة".
وفي سياق متصل، يوضح الدكتور فرح أنّ "ما يُتداول في الإعلام حول قرب رفع السقوف يعود إلى طرح فكرة اتخاذ خطوة مؤقتة فقط في حال تأخّر إقرار قانون الفجوة المالية. إذ كانت التقديرات الأولية تفترض إنجاز هذا القانون قبل نهاية العام الحالي، أو على الأقل إحالته إلى الحكومة للمناقشة. أما في حال تبيّن أنّ هذا المسار سيتأخر، لا سيما إذا تأجّل إلى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة، فقد يُصار إلى رفع محدود في سقوف التعميمين كإجراء ظرفي لاحتواء الضغط، لا أكثر. وهذا ما يُفسّر الأرقام المتداولة إعلاميًا، والتي تشير إلى زيادات بسيطة لا ترتقي إلى مستوى الحل الشامل، بل تبقى ضمن إطار المعالجة المؤقتة".
ويضيف: "من هنا نفهم أنّ الأرقام المتداولة في الإعلام حول رفع سقف السحوبات بنسب صغيرة تعكس أنّ هذه الخطوة لن تكون حلًّا جذريًا، بل مجرد إجراء مرحلي يُلجأ إليه في حال تأكّد تأجيل قانون الفجوة المالية إلى ما بعد الانتخابات النيابية. لكن، وحتى اللحظة، لا يوجد قرار نهائي بهذا الشأن، والأمر لا يزال غير محسوم".
مراوحة الانتظار
وللتوضيح أكثر، يوضح فرح أنّ "مصرف لبنان يعمل اليوم وفق قاعدة واضحة: لا رفع لسقوف التعميمين 158 و166 في الوقت الراهن، فالمصرف يعتبر أنّ أي تعديل في هذه السقوف يجب أن يكون مرتبطًا بسياق أوسع، يتضمن تطورات سياسية واقتصادية وتشريعية، وعلى رأسها قانون الفجوة المالية. في هذا الإطار، ينتظر مصرف لبنان زيارة الوفد اللبناني إلى واشنطن، حيث سيشارك في اجتماعات صندوق النقد الدولي، وهي محطة مفصلية، إذ من المتوقع أن تشمل المباحثات واقع القطاع المصرفي اللبناني، وخطة التعافي المالي، والموقف من إعادة هيكلة الدين والودائع".
ويختم فرح: "بناءً على نتائج هذه الزيارة والمفاوضات التي ستجري مع صندوق النقد، سيتم تقييم ما إذا كان بالإمكان إقرار قانون الفجوة المالية قبل نهاية العام الجاري، كما كانت تأمل السلطات اللبنانية، وفقط في حال تبيّن أنّ إقرار القانون سيتأخر إلى ما بعد نهاية السنة، أو ربما إلى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة، عندها قد يُعاد النظر في سقوف التعميمين، ويتم رفعها بشكل محدود ومؤقت، بهدف تخفيف الضغط على أصحاب الودائع الصغيرة وامتصاص جزء من النقمة الشعبية. أما في الوقت الحاضر، ووفق المعلومات المتوفرة، فلا قرار برفع السقوف، والموضوع لا يزال في إطار التداول المشروط بتطورات داخلية وخارجية لم تتضح معاضلمها بالكامل بعد".