نوال أبو حيدر -خاصّ الأفضل نيوز
في عصر تتسارع فيه تكنولوجيا الاتصالات بشكل غير مسبوق، تبرز خدمات "ستارلينك" كأحد أهم التحولات في مشهد الإنترنت العالمي، عبر توفيرها تغطية إنترنت فضائي عالي السرعة من دون الحاجة للبنى التحتية الأرضية التقليدية. ورغم الإيجابيات التقنية لهذه الخدمات، خصوصا في المناطق النائية أو التي تعاني من ضعف في الشبكات، إلا أن دخولها غير المنظّم إلى الساحة اللبنانية يطرح علامات استفهام جدية حول السيادة الرقمية والأمن الوطني.
تعمل ستارلينك خارج رقابة الدولة، متجاوزة الأطر القانونية والتنظيمية المعتمدة، ما يجعلها بيئة خصبة للتجاوزات الأمنية والاستخدامات غير المشروعة، بما في ذلك التنصت، التواصل المشفّر بين جماعات مشبوهة، وخرق الحدود السيبرانية للدولة. الأخطر من ذلك، أن هذه الخدمة تلتف على كل آليات الرصد والمراقبة الأمنية التي تعتمدها السلطات اللبنانية كجزء من استراتيجية الأمن الاستباقي، لتفتح الباب أمام تحديات جديدة في مواجهة الجريمة المنظمة، الإرهاب، وتجارة المخدرات العابرة للحدود.
أمام هذا الواقع، يبقى السؤال: هل تملك الدولة اللبنانية الأدوات القانونية، التقنية، والسياسية لتنظيم أو مراقبة هذه الخدمة؟ وهل نحن أمام "تكنولوجيا خارج السيطرة" في بلد يعاني أصلاً من ترهّل مؤسساتي وأمني واقتصادي؟
غياب الجهوزية الأمنية في مواجهة ستارلينك
من هذا المنطلق، يؤكد المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الاتصالات والمدير العام السابق لهيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف، لـ"الأفضل نيوز" أن "الأجهزة الأمنية اللبنانية، على اختلافها (مخابرات الجيش، الأمن العام، قوى الأمن الداخلي، شعبة المعلومات، جهاز مكافحة الجرائم المعلوماتية، أمن الدولة، الشرطة القضائية) لا تملك أية إمكانيات أو أدوات (لا تقنية، ولا لوجستية، ولا قانونية، ولا إدارية، ولا لجهة الاتفاقات والمعاهدات الدولية، ولا رقمية، ولا أية منصة عملانية) تسمح لها بحفظ الأمن الاستباقي والوقائي تجاه خدمات "ستارلينك"، أو محاربة لاحقا بعد حدوثها، أي البلد سوف يكون منكشفاً أمنياً بالكامل. وقد يكون هذا هو الهدف".
الأمن الوطني فوق كل شيء
وفي سياق متصل، يرى أنه"إذا كان لا بد لنا في لبنان أن نختار بين تطوير خدمات الانترنت، أو محاربة توسع أعمال الجريمة المنظمة والإرهاب المتطرف المنظم، فيجب تفضيل الخيار الثاني دون أي تردد.
يوجد أشخاص سياسيين في لبنان، من اليمين المتطرف، يفضلون رؤية أمن وسلامة البلد في انهيار شامل مقابل زعزعة الأمن وتهديد المجتمع وجني الأرباح".
"ستارلينك"... بِعِلم الوزير
وأمام كل تلك المعطيات، يشدّد عبد المنعم يوسف على أن "وزير الاتصالات الحالي، شارل الحاج، كان على علم مسبق بكافة التفاصيل المرتبطة بخدمات "ستارلينك" وتداعياتها الأمنية، وهو لا يزال على علم بما يجري اليوم، كما يدرك تماماً ما قد تؤول إليه الأمور لاحقاً".
مشروع إيلون ماسك يخترق لبنان
ويضيف: "الحاج ينتمي من ناحية الفكر السياسي إلى ذات المدرسة الفكرية لإيلون ماسك، الذي يضع جميع مشاريعه حول العالم والبنية التحتية التقنية التي يملكها في خدمة مشروع سياسي يميني متعرف لا يخفيه. إذ أن إيلون ماسك صاحب مشروع سياسي على مستوى العالم ويسخر كل مشاريعه (سبايس إكس، ستارلينك، إكس، ... ) لخدمة مشروع مناهضة الثقافة التقدمية، مناهضة المثليين، عداء للمهاجرين، مناهضة الديموقراطية الشعبية، مناهضته لمنظمة الأمم المتحدة، مناهضته للمنظمات الدولية لمساعدة الفقراء، مناهضته لجمعيات المجتمع المدني، مناهضته لحركات التحرر كما في فلسطين، مواقفه العدائية المعلنة ضد الجنس العربي واعتباره أن العرب هم مجموعة خارجة عن القانون".
من هنا، يشرح يوسف أن "ماسك يعرض مباشرة على زعماء اليمين المتطرف في العالم أن يساعدهم ويدعمهم مالياً ومعنوياً، ويسوّق لهم، ويسخر "إكس" لتوزيع أفكارهم ومنشوراتهم. ويطلب منهم في المقابل تعديل التنظيمات والقوانين ومعدلات الضرائب في بلدانهم لصالح تسهيل دخول شركاته (إكس، ستارلينك، تيسلا، تطبيقات الذكاء الاصطناعي ) إلى أسواقهم، وهذا ما يحدث تماماً في لبنان".
ستارلينك.. ثغرة أمنية بلا رقابة
في خلاصة الأمر، يختم يوسف: "خدمات ستارلينك لا تخضع لأية رقابة أمنية مسبقة وتقتل في مهدها كل إجراءات الأمن الاستبقائي متجاوزة الأصول والتدابير الوقائية في حفظ الأمن الوطني ومحاربة الجريمة المنظمة والإرهاببة. إن الانتشار غير المراقب لتقنيات "ستارلينك" يخلق فجوة تنظيمية غير مسبوقة بين الدول والشركات الخاصة. ففي الوقت الذي ترفع فيه هذه التقنية كفاءة الاتصال المدني، فإنها أيضاً تمنح شبكات الجريمة والإرهاب قدرة عالية على التخفي والاتصال المشفر عبر الأقمار الصناعية من دون وساطة حكومية أو تراخيص تشغيل".