مفيد سرحال-خاصّ الأفضل نيوز
ثبت بجلاء أن الدعم الأميركي اللامحدود لسياسات "إسرائيل"العدوانية سياسيا واقتصاديا وعسكريا هو جزء من الحرب الثقافية الأميركية طالما أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تمثل تيارات وعقائد دينية في الولايات المتحدة تعتقد ببناء "هيكل سليمان الثالث"والعودة الثانية للسيد المسيح (ع) بعد تحرير الأرض المقدسة.
إذن فالخارطة الأميركية الجديدة لـ" الشرق الأوسط "والمنطقة العربية هي في الواقع خارطة ثقافية أولا ،أي إنها تقوم وتستند إلى تجيير السياسي لصالح الثقافي عبر القوة العسكرية التي يجري نشرها والترويج لها من فوق حاملات الطائرات وعلى متن الصواريخ الذكية والقاذفات الاستراتيجية.
ولتشكل هذه الخارطة، ينبغي في المقدمة نسف العقل العربي على طريق تشظينا إلى قبائل وأعراق وطوائف وإثنيات، وتغييب مقوماته الثقافية الأساسية بما فيها انتماءاته وولاءاته لأمته وتاريخها الحضاري ورسالتها الإنسانية إلى البشرية.
وإذا كانت اتفاقية سايكس بيكو الأوروبية التي مزقت المشرق من الجسد العربي بعد مغربه شكلت نموذجا عن طبيعة المرحلة الاستعمارية الكولونيالية، واستندت إلى الاحتلال المباشر للأرض العربية ونهب ثرواتها والذي لم يلبث أن طرده أهل الأرض..
غير أن سايكس بيكو بنسختها الأميركية هي أكثر خطرا بما لا يقاس نظرا لاستهدافها العقل والثقافة العربيين اللذين يعول عليهما النهوض للمقاومة والتحرير وصيانة حياتنا القومية مجددا ضد هذه الخارطة التي تدعونا للدوران في فلك اتجاهات إسرائيل الثقافية القبلية الدينية العنصرية.
لم تقدم أميركا على الانتشار المادي المباشر والاحتلال العسكري لبلادنا لكنها منحت الصهاينة الحركية المطلقة في المنطقة للتسيّد والقتل والتطهير العرقي وارتكاب المذابح سواء في لبنان أو فلسطين ،واستنبتت أدوات وجماعات حققت أهدافها وشكلت قفازا لذراعها تحت عناوين ثورية فيما القصد الحؤول دون قيام الدولة القومية الديمقراطية عبر استهداف الجيوش العربية بتلك الأدوات التي لم تكن فلسطين في أدبياتها وسلوكياتها محركا للصراع.
وجرت استباحة للعقل العربي بسرديات جعلته مشتتا في ردهات وزوايا فئوية تقلصت معه القضايا الكبرى إلى ذاتيات مسكونة بهاجس البقاء يتحكم بها الخلاص الذاتي والذعر والخوف من آخر مجرور خلف شعارات ومفاهيم مضللة يجري تسويقها على أنها حقائق مطلقة.
هذه الثقافة الأميركية المحمولة على آلة تدميرية هائلة تصحبها منظومة إعلامية تلفيقية مزورة مشوهة للحقائق تزين للمعتدي قباحاته وإجرامه وتوسم أصحاب الحق بالمغامرين.. وتحول الهزيمة إلى نصر وبالعكس، وتسوق للباطل المحتل على أنه المدافع عن نفسه وعن قيم الحرية والعدالة الانسانية.
إن كل ما جرى في منطقتنا يستبطن في عمق أعماقه ثقافة أميركية ترسم خريطتها في سوريا خصوصيات يحدها الدم والعداوات ليلتحق بها لبنان والعراق وكل المنطقة من خلال بعث الهواجس والمخاوف الفئوية وناتج تجليات هذه الخارطة الأميركية للمنطقة تبديد الفكر المقاوم وثقافة المقاومة في التيه والضلال الفئوي ومتاهات المعازل المخنوقة بـ"الأنا" المتكورة داخل ذات تشبه ذاتها لا مكان فيها لآخر يكمل الصورة بتنوعها البديع.
ضمن هذا المناخ تُستهدَف المقاومة بسلاحها المادي والعقائدي في لبنان وفلسطين و.. كونها الصمغ اللاصق لوحدة أبناء الأمة، لذا من الضرورة بمكان أن تكون أدوات المقاومة والتحرر من الطاغوت الاستعماري الجديد أدوات ثقافية أيضا، قادرة في الحد الأدنى على صون المكونات الثقافية للولاء والانتماء القومي وقادرة على تنمية الذات الثقافية العربية مما يتهددها من الاستلاب والاستقطاب وقادرة في المرحلة التالية على التأسيس لشروط المقاومة والتصدي ويسوقنا إلى هذا كله أن سلاح الثقافة هو الأمضى في جبه الثقافة الأميركية -ثقافة التسليع والتشليع لنحصن وحدة حياتنا ووجودنا القومي .
إنها حرب حضارية إنسانية قومية ثقافية لتمزيق الخارطة الأميركية أو نسخة سايكس بيكو المتجددة والمطورة لصيانة ثوابت حق البقاء كوجود حضاري موحد منتصر على كل عوامل التجزئة وثوابت السيادة على أرضنا التي تتناهشها الذئاب من كل جهة وصوب..

alafdal-news
