ميشال نصر - خاصّ الأفضل نيوز
في مشهدٍ سياسيّ لبناني مأزوم، عادت حرارة التوتر بين معراب وبعبدا لتتصدّر واجهة الأحداث، في مشهدٍ يُعيد إلى الأذهان محطات الصراع الخفي والمعلن بين القوات اللبنانية والعهد السابق الذي ترك بصماته الثقيلة على الحياة السياسية.
فالمواقف الأخيرة الصادرة من معراب لا يمكن قراءتها إلا كانتفاضة سياسية مدروسة ضد ما تعتبره "استمراراً لمنطق الوصاية المقنّعة"، ومحاولة لإعادة تعويم نهجٍ أنهك الدولة وأجهض فرص الإصلاح.
فالقوات اللبنانية تتحرك اليوم بلغةٍ هجوميةٍ محسوبة، تمزج بين التصعيد السياسي والحنكة الإعلامية، لتقول بصوتٍ عالٍ إن مرحلة الصمت انتهت، وإنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات إقصائها أو تهميش دورها في رسم المشهد المقبل.
واضح أن انتفاضة معراب ليست تفصيلاً في لعبة التوازنات اللبنانية، بل مؤشرٌ على عودة الاصطفافات القديمة بصيغٍ جديدة، وعلى بداية فصلٍ جديد من الصراع على هوية الدولة واتجاه البوصلة السياسية في مرحلةٍ ما بعد الانتخابات النيابية.
أما في العمق، يعكس "هجوم الحكيم" على رئاسة الجمهورية والحكومة، شعورا متناميا بالقلق داخل القوات من تقلص هامش المناورة في المشهد السياسي، وخصوصا بعد أن فقدت "المعارضة التقليدية" القدرة على فرض أجندة تشريعية أو انتخابية في ظل توازنات جديدة داخل مجلس النواب، من هنا جاء تصعيد معراب كخطوة تكتيكية تهدف إلى استعادة المبادرة وتحشيد القواعد المسيحية.
فالقوات اللبنانية، تدرك أن أي تعديل انتخابي أو نقاش حول اقتراع المغتربين أو الدوائر النيابية لن يتم بمعزل عن الرئاسة، وأن رئيس الجمهورية، بحكم موقعه، هو المرجع الدستوري الذي يملك صلاحية المبادرة والتوقيع، لذلك، فإن تصعيده ضد الرئيس ليس إلا محاولة لفرض "شراكة إلزامية" تحت الضغط الإعلامي، بعدما فشل في ترجمة هذه الشراكة سياسيًا داخل المؤسسات.
تؤكد مصادر قواتية مطلعة أن الاختلاف بين معراب وبعبدا لم يعد سرا ولا تفصيلا عابرا، بل تحول إلى تباين في المقاربات تجاه أكثر من ملف جوهري وحساس، حيث تختلف القوات مع رئاسة الجمهورية حول أسلوب إدارة المرحلة، معتبرة أن التردد وغياب الحسم في القرارات المصيرية يضعان البلاد على مسار خطر، ويبددان ما تبقى من فرص إنقاذ.
لهذا، تتابع المصادر، لم يتردد "الحكيم" في دق جرس الإنذار علنا، محذرا من أن استمرار النهج الحالي سيقود إلى مزيد من الانهيار وفقدان الثقة الداخلية والخارجية.
وتضيف المصادر، أنّ "الحكيم" سبق أن حذر مرارا من انتهاء فترة السماح الدولية الممنوحة للبنان مع نهاية العام الحالي، في ظل انتظار المجتمع الدولي إصلاحات جدية قبل أي دعم فعلي، غير أن السلطة، تواصل سياسة المراوحة، وتحرم اللبنانيين من فرصة تاريخية لبناء دولة فعلية تستعيد ثقة العالم.
وتختم المصادر إلى أن القوات لا يمكنها أن تبقى متفرجة على الانهيار أو شريكة في الصمت عنه، خصوصاً أنها منحت الحكومة أكثر من فرصة، وقدمت دعماً سياسياً من رصيدها لإتاحة المجال أمام الإصلاح.
الصبر، كما تقول المصادر، له حدود، ومن غير الممكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، فجلسة مجلس الوزراء المنتظرة يوم الخميس المقبل ستكون محكا حقيقيا للعلاقة بين معراب وبعبدا، وربما لحسم اتجاه المرحلة المقبلة.
في المقابل ترى أوساط سياسية مسيحية، أن ثمة مجموعة من العوامل التي حتمت على معراب الانتقال إلى الهجوم، أبرزها:
- الحسابات الانتخابية،إذ مع اقتراب الاستحقاق النيابي، تسعى القوات اللبنانية إلى شدّ العصب المسيحي واستعادة جمهورها التقليدي عبر إحياء خطاب المواجهة مع السلطة، وهو خطاب أثبت فعاليته في تجييش الشارع خلال الأزمات.
٠ تراجع تأثير القوات داخل الحكومة، حيث تشعر القوات بأنها أصبحت شريكًا ثانويًا داخل السلطة، وأنّ القرار السياسي بات بيد الرئيس وفريقه، ما جعلها تميل نحو فكّ الارتباط تدريجيًا، فالمشاركة من دون نفوذ فعلي باتت تُضعفها أكثر مما تُكسبها.
- رغبة معراب في استعادة موقع المعارضة المسيحية الأولى، إذ مع تراجع حضور التيار الوطني الحرّ وتبدّل المزاج الشعبي المسيحي، ترى معراب فرصة للعودة إلى موقعها الطبيعي كصوت الاعتراض المسيحي الأقوى في مواجهة الرئاسة، تمامًا كما فعلت في مراحل سابقة.
في النتيجة، العلاقة بين الطرفين دخلت مرحلة "التنافس الهادئ" لا صدام مباشر، ولا تنسيق فعلي. فسمير جعجع يسعى لشد القاعدة المسيحية حول خطابه السياسي الواضح، فيما يحاول جوزاف عون أن يحافظ على تموضعه دون أن يخسر دعم معراب.
ومع اقتراب الاستحقاقات المقبلة، في مقدمتها الانتخابات النيابية المحتملة، يبدو أن هذا التوازن الهش سيتعرض لاختبارات متلاحقة، قد تحدد إن كان الطرفان يسيران نحو تفاهم صامت …. أم نحو مواجهة سياسية مؤجلة ....

alafdal-news
