عماد مرمل - خاص "الأفضل نيوز"
تتصاعد الضغوط السياسية والعسكرية على لبنان لجرّه إلى طاولة المفاوضات المباشرة مع الكيان الإسرائيلي.
والغريب أن بعض القوى السياسية الداخلية تتحمس للتفاوض المباشر والسلام أكثر من الإسرائيليين والأميركيين أنفسهم، في استعجال لحرق المراحل والأوراق، ولو على حساب مقتضيات المصلحة العليا للدولة اللبنانية.
وحتى الآن، يبدو أن الموقف الرسمي لا يزال منتظماً تحت سقف الانفتاح على آلية التفاوض غير المباشر عبر لجنة "الميكانيزم" المعتمدة، مع إبداء الاستعداد للبحث في تطعيمها بمدنيين إذا اقتضت الضرورة ذلك، من وحي تجربة التفاوض على الترسيم البحري، كما أكد الرئيس نبيه بري.
ولكن صار واضحاً أن تل أبيب وواشنطن تريدان تجاوز سقف "الميكانيزم" إلى فرض التفاوض المباشر، على قاعدة أن موازين القوى الحالية لا تسمح للبنان بالاعتراض، وأن هناك تحولات استراتيجية حصلت في المنطقة يتوجب على السلطة السياسية مواكبتها والتفاعل معها، وصولاً إلى تجاوز "تابو" التفاوض السياسي المباشر.
وضمن هذا السياق، يندرج قول الموفد الأميركي توم براك بصراحة، ومن دون أي تمويه: "فليتصل الرئيس اللبناني جوزاف عون برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويتفقان على التخلص من كل الرواسب".
هكذا يكون براك قد كشف حقيقة الموقف الأميركي الذي يعتبر أن الوقت حان كي يبدأ لبنان الرسمي التواصل السياسي المباشر مع تل أبيب، وأن الاستمرار في رفض هذا الطرح لا يجاري طبيعة الشرق الأوسط الجديد الآخذ في التشكل بفائض القوة العسكرية، والذي يراد للكيان الإسرائيلي أن يكون جزءاً طبيعياً منه بعيداً من كل مظاهر العداء.
وقد أتى الكتاب المفتوح الذي وجّهه حزب الله إلى الرؤساء الثلاثة ليحسم بوضوح كلي خياره الرافض لكل أشكال التفاوض السياسي مع العدو، بعدما كان الحزب قد اعتمد سياسة الصمت حيال هذه المسألة خلال المرحلة السابقة إفساحاً في المجال أمام الدور الذي كان يؤديه الرئيس بري لضبط إيقاع الموقف الرسمي.
إلا أن تصاعد الضغوط الأميركية والإسرائيلية لدفع لبنان إلى التفاوض، بالترافق مع ارتفاع أصوات داخلية تنحو في الاتجاه ذاته، اضطر الحزب إلى كسر صمته ببيان عالي السقف أراد منه لجم أي اندفاعة محتملة خارج إطار لجنة "الميكانيزم".
ويلفت قريبون من مرجع رسمي إلى أن خيار التفاوض المباشر مرفوض مهما اشتدت الضغوط، مشيرين إلى أنه لا ضرورة أصلاً للخوض في هذا المسار، ما دام اتفاق الأعمال العدائية يلحظ انسحاب الاحتلال من المنطقة الحدودية وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين وانتشار الجيش حتى الحدود وانسحاب المقاومة من جنوبي الليطاني، أما معالجة ملف الحدود البرية مع فلسطين المحتلة فيمكن أن تخضع للآلية نفسها التي خضع لها الترسيم البحري.
ويؤكد هؤلاء أنه لا حاجة لوضع اتفاق جديد في حين أن الاتفاق الموجود لم يُطبّق بعد، إضافة إلى أن اتفاقية الهدنة يمكن أن تكون ناظمة للوضع المستقبلي.
ويحذر المحيطون بالمرجع من أن المطلوب جرّ لبنان إلى فخ التفاوض المباشر للتوقيع على اتفاق أمني بنكهة سياسية، يليه سلام فـتطبيع، مشددين على أن الدعوات إلى كسر الحواجز السياسية والنفسية مع العدو ليست بريئة، وإنما ترمي إلى استدراج لبنان نحو مسار متدرّج يبدأ بالتفاوض وينتهي بسلام مفصّل على قياس نتنياهو، وبالتالي يساوي الاستسلام والرضوخ للمطالب الإسرائيلية التي من شأنها تكريس الانتهاك للسيادة اللبنانية.

alafdal-news



