طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
تجمع الأوساط السياسية المحلية والخارجية على أن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لواشنطن واجتماعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب تمثل نقطة تحول كبرى في العلاقات الثنائية بين البلدين، وتفتح الباب أمام اتفاقيات أمنية وسياسية ستشكل مستقبل سوريا والمنطقة. فالشرع هو أول رئيس سوري يزور واشنطن منذ العام 1946، وقد كانت له زيارة سابقة للبلاد الأميركية في أيلول الماضي، ولكنها اقتصرت على نيويورك حيث شارك في اجتماعات الجمعية العمومية السنوية للأمم المتحدة، وقد سبق وصوله إلى البيت الأبيض بأيام قرار اتخذه مجلس الأمن الدولي وقضى بإزالة اسمه من لوائح الإرهاب والعقوبات الدولية، ما شكل اعترافاً أميركياً ودولياً بالقيادة السورية الجديدة وبدء شراكة معها.
وينتظر أن تكون أولى نتائج استقبال ترامب للشرع المنتظرة انضمام سوريا للتحالف الدولي ضد "داعش"، وإقامة قاعدة أو وجود عسكري أميركي في دمشق لتنسيق المساعدات ومراقبة الوضع بين سوريا وإسرائيل، ومن غير المستبعد أن تدفع واشنطن إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، وربما الانضمام لـ"اتفاقات إبراهام" التطبيعية، وقد تعمل على وقف الضربات الإسرائيلية على سوريا وسحب الجيش الإسرائيلي من الجنوب السوري.
وفي انتظار ما يمكن أن يكون للاتفاق الأميركي ـ السوري من تداعيات وانعكاسات على لبنان، يمكن استنباط بعض التأثيرات غير المباشرة على لبنان، خصوصاً إذا حصل الاتفاق الأمني السوري ـ الإسرائيلي الذي تشجع واشنطن عليه بقوة. فمثل هذا الاتفاق إذا حصل سيؤثر على ديناميكيات التوتر في جنوب لبنان، خصوصاً إذا نجح في تحقيق هدوء على الجبهة السورية. وكذلك قد تؤدي عودة سوريا إلى الحظيرة العربية والدولية إلى فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع لبنان والدول المجاورة الأخرى.
ولكن هل يمكن أن تعمد واشنطن إلى تلزيم لبنان لسوريا الشرع، مثلما كانت تلزمته لدمشق في بعض المراحل السياسية أيام النظام السابق؟
تقول أوساط سياسية متابعة لموقع "الأفضل نيوز" إن هذا الأمر يتعلق بتطورات سياسية محتمل حصولها مستقبلاً استناداً إلى تحولات دراماتيكية في المشهد السوري. ولكن في التقديرات والسيناريوهات المحتملة وليس المؤكدة، فإن فكرة قيام واشنطن بـ"تلزيم" لبنان لسوريا الجديدة ليست سياسة رسمية معلنة، لكنها احتمال مطروح في الأوساط السياسية، خصوصاً في حال فشل لبنان في معالجة أزماته الداخلية. ويبدو أن هذا الاحتمال يتوقف على معادلة رئيسية: نجاح السلطة السورية الجديدة في تحقيق الاستقرار من جهة، واستمرار الجمود السياسي والأمني في لبنان من جهة ثانية.
ولكن الواضح أن الإدارة الأميركية تركز حالياً على تحقيق تقدم في الملف السوري، بينما تعبر عن "إحباط" متزايد من الأداء اللبناني. فواشنطن تُعطي الأولوية حالياً للملف السوري، لأن القيادة السورية الجديدة أنجزت خطوات مكنتها من استدراج دعم أميركي وسعودي وخليجي عموماً، مقارنة مع لبنان الذي يسير في خطى بطيئة، في الوقت الذي ترى الإدارة الأميركية أن أي تحسن للأوضاع فيه يبقى مرهوناً بنزع حزب الله، لأنها تعتبر هذا السلاح "العائق" الرئيسي لأي تقدم، على حد تعبير السيناتور ليندسي غراهام، المقرب من الرئيس دونالد ترامب.
وفي ضوء هذه المعطيات، يصبح سيناريو التلزيم الأميركي للبنان لسوريا وارداً بقوة، خصوصاً في حال تمكّن الشرع من تثبيت ركائز سلطته في سوريا وحقق الاستقرار فيها، واستمر لبنان مراوحاً مكانه بلا معالجة جذرية لملفاته السياسية والأمنية والاقتصادية، لا سيما منها سلاح حزب الله.
ومعلوم أن واشنطن كانت قد لزمت ملف لبنان لسوريا عام 1976 إثر اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، وعام 1990 إثر التوصل إلى اتفاق الطائف عام 1989.
وفي أي حال، لم تتخذ الولايات المتحدة الأميركية بعد قراراً بـ"تلزيم" لبنان لسوريا، لكنها أعدت الأرضية بيروقراطياً وسياسياً لهذا الخيار الذي يبقى حتى اللحظة رهناً بقدرة النظام السوري الجديد على البقاء والاستقرار، واستمرار عجز لبنان عن حل أزماته.
اتفاق أمني
ولقد رشح من محادثات ترامب والشرع أن الوساطة الأميركية بين سوريا وإسرائيل كانت في صلبها، وأن الاتفاق الأمني المحتمل بين سوريا وإسرائيل كان أحد المواضيع الأساسية التي تناولتها، خصوصاً وأن واشنطن تتوسط في المفاوضات الجارية بين الجانبين. فهذا السيناريو ليس مجرد تكهن، بل هو موضع مفاوضات فعلية، لأن محادثات القمة الأميركية ـ السورية أرادت منها تمهيد الطريق لاتفاق أمني أو تطبيع في العلاقات بين سوريا وإسرائيل، وذلك في إطار إحداث تحول جذري في السياسة الإقليمية. وما يدل على ذلك أن واشنطن أقامت أو تخطط لإقامة وجود عسكري أميركي في قاعدة المزة الجوية بالقرب من دمشق لمراقبة التطورات الإقليمية، خصوصاً بين سوريا وإسرائيل.
وكان الرئيس الشرع أعلن في أكثر من مناسبة أن العمل جارٍ لإبرام اتفاقية أمنية جديدة مع إسرائيل، مشدداً على مطالب سوريا بالعودة إلى حدود ما قبل 8 كانون الأول 2024.
ويبدو أن كل ما يجري في سوريا ومعها وعليها هو جزء من عملية دفع هدفها إحداث تحولات استراتيجية كبرى. فعندما تعلن سوريا رسمياً انضمامها إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش"، سيتعزز موقعها كشريك في "الحرب على الإرهاب"، في الوقت الذي تتطور تحالفاتها بوتيرة مذهلة بعيداً من روسيا وإيران (حليفتا النظام السابق) في اتجاه التحالف مع تركيا ودول الخليج والولايات المتحدة الأميركية.
كل هذه المعطيات تؤكد أن محادثات الشرع في واشنطن لم تكن استعراضاً ديبلوماسياً، على الأقل من جانب واشنطن، التي أرادت منها التعجيل في الاتفاق الأمني والتطبيع بين سوريا وإسرائيل، في إطار خطتها لإقامة الشرق الأوسط الجديد الذي ستتغير معه الخريطة الجيوسياسية للمنطقة. ولكن واشنطن تدرك أن تحقيق هذا الهدف يبقى رهناً بتخطي تحديات معقدة داخلية في سوريا إلى جانب تحديات إقليمية أكثر تعقيداً.

alafdal-news
