محمد علوش - خاص الأفضل نيوز
لم تكن الحرائق التي التهمت أحراج الجنوب والبقاع والجرود مجرد ظاهرة طبيعية أو نتيجة حرارة موسمية، فالنيران التي اشتعلت منذ أيام تُشكّل فصلاً جديداً من فصول الحرب الإسرائيلية على لبنان، فالعدو يعرف كيف يستخدم النار كسلاح فعّال في وجه الغطاء الأخضر للبنان، وما فعله اليوم فعله مرات عديدة في السابق.
منذ سنوات، تنظر إسرائيل إلى أحراج الجنوب وغابات السنديان والصنوبر كـ"عائق أمني" أكثر منها كتراث بيئي. فهذه المساحات الخضراء التي تمتد على التلال والوديان شكّلت تاريخياً غطاءً طبيعياً لتحركات المقاومين، ومستودعاً آمناً للأسلحة، وممراً لعناصر المقاومة الذين يتنقلون في الجغرافيا المعقّدة دون أن ترصدهم الطائرات المسيّرة. لذلك، فإن ضرب الغطاء النباتي بالنسبة لإسرائيل يشكّل جزءاً من تكتيك مدروس يهدف إلى تحويل الأرض إلى مساحة مكشوفة، يسهل مراقبتها جوّياً وبصرياً وحرارياً.
وبحسب مصادر أمنية، فإن الحرائق التي اشتعلت في الجنوب مطلع الأسبوع كانت مقصودة، حيث تعمّدت إسرائيل استخدام صواريخ حارقة. وقد أكّد شهود عيان أنهم شاهدوا كيف بدأت الحرائق وتمددت. وتُشير المصادر عبر "الأفضل" إلى أن هذه الحرائق لها وظيفة عسكرية ـ أمنية، وأخرى اقتصادية، بحسب العقل الإسرائيلي.
الأولى هي "كشف الميدان وتدمير التمويه الطبيعي"، فالغابات تُعطّل أنظمة الرؤية الليلية والطائرات المسيّرة، وتمنح المقاومين هامش تحرك آمن، وبالتالي فإن إحراقها يجعل الأرض مكشوفة أمام الاستطلاع.
أما الوظيفة الثانية فهي اقتصادية، إذ تسعى إسرائيل بشكل دائم إلى محاولة ضرب الزراعة كجزء من حربها على البيئة اللبنانية، وخنقها اقتصادياً من أجل تهجير سكانها من المناطق التي يعيشون فيها، فتصبح منطقة خالية من الحياة تلقائياً.
ولا تخفي المصادر أن للحرائق أيضاً وظيفة نفسية، فإحراق الجنوب يترك أثراً سلبياً في نفوس الجنوبيين واللبنانيين، مشيرةً إلى أن إسرائيل تعرف أن القصف يترك أثراً آنياً، أما الحريق فيترك ندبة طويلة الأمد، لأن ما يحترق يحتاج إلى سنوات من أجل التعافي.
في المقابل، تشتعل الحرائق بينما الدولة تتفرّج، إذ كان لافتاً أن الاستنفار جاء متأخراً وبعد أن وصلت الحرائق إلى مناطق معيّنة، وكأن هناك من تعمّد إظهار اهتمامه بمنطقة دون أخرى.
وهنا لا بد من التذكير أيضاً بضعف الدولة وأجهزتها في مواجهة الحرائق نتيجة تراكم الإهمال والفساد والشلل المالي، إذ لا خطة وطنية للطوارئ البيئية، ولا تنسيق فعلي بين الجيش والدفاع المدني، ولا تمويل كافٍ لتشغيل الأسطول الجوي أو شراء مواد الإطفاء للبلديات وغيرها من الأجهزة الرسمية.
مئات الدونمات احترقت بسبب العدوانية الإسرائيلية وضعف الدولة اللبنانية، ولكن النتيجة كانت واحدة، وهي أن الأرض تحترق والبيئة تُدمَّر، والعدو الإسرائيلي مستمرّ بتدميره اليومي دون أي رادع.

alafdal-news
