طارق ترشيشي-خاصّ الأفضل نيوز
لم يمر موسم انتخابي منذ التوصل إلى اتفاق الطائف علم 1989 والدستور الذي انبثق منه وأقر عام 1990 إلا وحصلت معركة حول قانون الانتخابات النيابية، لكن أي من قوانين الانتخاب التي أقرت واعتمدت في الدورات الانتخابية المتلاحقة لم يأخذ بـ"أهداب" بالتمام والكمال، بل جاءت في غالبيتها خروجا عليه أو احتيالا أو انحرافا، باستثناء القانون النافذ الحالي الذي أقر عام 2017 وجرت الانتخابات في دورتين متتاليتين على أساسه، بعدما كام القانون الذي سبقه عودة إلى قانون 1960 الذي اعتمد الأقضية دوائر انتخابية وكان هذا القانون باعتراف الجميع سبب الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975 ودامت نحو 17 عاما وقتل فيها نحو 200 ألف لبناني.
ورد في باب "الإصلاحات الأخرى" الفقرة "ج - قانون الانتخابات النيابية من "وثيقة الوفاق الوطني" المعروفة بـ"اتفاق الطائف": "تجري الانتخابات النيابية وفقاً لقانون انتخاب جديد على أساس المحافظة، يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين وتؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل، بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات."
وورد في المادة 24 من الدستور المنبثق من "اتفاق الطائف" الآتي: "يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفقاً لقوانين الانتخاب المرعية الإجراء. وإلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد الآتية:
1. بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.
2. نسبياً بين طوائف كل من الفئتين.
3. نسبياً بين المناطق".
يستنتج من هذه النصوص أن "اتفاق الطائف" يقول باعتماد المحافظات دوائر انتخابية، أي دوائر كبرى. على أساس النظام الانتخابي النسبي الذي من شأنه أن يحقق أوسع تمثيل لشتى فئات الشعب وأجياله في الندوة النيابية بخلاف النظام الأكثري الذي يقصي ويضيق قاعدة التمثيل النيابي بفعل سياسة "المحادل" و"البوسطات" التي هي عبارة عن لوائح انتخابية كبيرة يشكلها الأقوياء أي القوى السياسية الكبرى، ومن يحظى من الآخرين بالانضمام إليها يكتب له نصيب الفوز بالمقعد أو المقاعد النيابية التي يطمح إليها حتى ولو كان من الأقليات.
وقانون الانتخاب النافذ الذي يفترض أن تجرى الانتخابات المقبلة على أساسه في حال لم يقر قانون غيره أو يعدل، يعتبر أول قانون انتخابي يأخذ بـ"اتفاق الطائف" ولو منقوصا، فهو يعتمد النظام النسبي مع "الصوت التفضيلي" ولكنه لا يعتمد الدوائر الكبرى على مستوى كل لبنان، فهناك محافظات اعتمدت دوائر(حسب أتفاق الطائف) فيما في محافظات أخرى اعتمدت الأقضية فيها داوئر انتخابية، ما شكل استمرارا في خرق "الطائف" لأن هذا القانون راعى مصالح بعض القوى السياسية وشكواها من إجحاف في التمثيل، وخصوصا المسيحيين ممثلين بـ"التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، إذ قبل إقراره كانت هناك شكوى مسيحية من أن عددا كبيرا من النواب المسيحيين ينتخبون في كنف المسلمين وبعض القوى السياسية النافذة التي تتعارض مشاريعها السياسية مع مشروعي كل من "التيار" و"القوات"، كانت ينظر إلى أولئك النواب على أنهم "لا يمثلون" المسيحيين أو لا يعبرون عن "الوجدان المسيحي" حسب تعبير البعض.
ولذلك عندما أقر القانون الحالي عام 2017 كان "التيار" و"القوات" أو المرحبين به والمهللين، وقد مكنهما فعلا من الفوز في انتخابات 2018 و2022 بعدد مرموق من المقاعد النيابية المسيحية إلى جانب مقاعد حليفة من المسلمين، خصوصا التيار. في 2018 كان للقوات كتلة من أكثر من عشرة نواب وللتيار كتلة تصل مع الحلفاء إلى حدود 27 نائبا، وفي 2022 للقوات أكثر من 13 نائيا وللتيار من 17 إلى عشرين وإن تقلص العدد إلى 13 أو 14 بفعل خروج بعض النواب من الكتلة بفعل خلافات داخلية لا مجال للخوض فيها في هذا المضمار.
ولذلك وفي ظل المعركة الدائرة حول موضوع اقتراع المغتربين بين متمسكين بما ينص عليه القانون بتمثيل الاغتراب في القارات الخمس بستة نواب ينتخبون في الخارج وبين داعين إلى إلغائه بسبب المشكلات الإدارية واللوجستية التي حصلت في الانتخابات السابقة وأدت إلى إلغاء هذا الاقتراع. وبين فريق ثالث يطالب بتعديل القانون الانتخابي في الاتجاه الذي يجيز للمغتربين أن يقترعوا حيث هم لجميع أعضاء المجلس النيابي البالغ 128 نائبا. ويتصدر هذا الفريق "القوات اللبنانية" وحلفائها. فيما التيار يتمسك بالمقاعد الستة حسبما ينص القانون.
ولكن الثنائي الشيعي وحلفاءه يتمسكون بإجراء الانتخابات على أساس القانون الحالي ويرفضون اقتراع المغتربين في أماكن إقامتهم في الخارج لـ128 نائبا لعدم وجود "تكافؤ فرص" بينهم وبين الآخرين على المستويين اللوجستي والسياسي، حيث لا يملك الثنائي وحلفاؤه وحتى ناخبيه في ظل الظروف السياسية الراهنة حرية القيام بجولات وحملات انتخابية في كثير من الدول التي تصنف حزب الله " منظمة إرهابية"، ولذلك طرح الرئيس نبيه بري أن في إمكان أي مغترب راغب بالاقتراع لـ128 أن يحضر لبنان ويمارس حقه الانتخابي. في حين أن "القوات اللبنانية" وحلفاءها لديهم حرية حركة كبيرة في جميع دول الاغتراب ولذلك يتمسكون بموقفهم المطالب بتعديل القانون الانتخابي في هذا الاتجاه.
ولذلك يشتد الخلاف بين الجانبين بما يجعل أي تعديل لقانون الانتخاب مستبعدا وفي هذه الحال تجرى الانتخابات في أيار المقبل على أساسه، ولكن يبدو أن الفريق الذي يتمسك باقتراع المغتربين مباشرة لـ"128" نائبا يتخطى هذا الأمر إلى حد الدفع في اتجاه فرض تأجيل الانتخابات وتمديد ولاية المجلس النيابي لسنتين وذلك لهدفين:
ـ الأول الرهان على حصول تطورات إقليمة ودولية يمكن أن لا تكون في مصلحة الثثائي وتضعفه بما يفقده أي تأثير في الانتخابات المقبلة، ويتمكن خصومه من الفوز بالأكثرية النيابية وبالتالي المنافسة على رئاسة المجلس النيابي الجديد.
ـ الثاني، ضمان أن يتمكن دعاة التمديد من خوض معركة انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة بواسطة مجلس ينتخب عام 2028 بحيث تنتهي ولابته عام 2032 أي بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي بسنة أي عام 2031 .
ويكشف مطلعون في هذا المجال أن "القوات اللبنانية" فاتحت الرئيس بري بهذا التمديد قبل أن يشتد الخلاف على قانون الانتخاب واقتراع المغتربين، لكن بري رفض هذا الأمر، وذكر هؤلاء المطلعون أن الرجل أبلغ إلى مفاتحيه بأن التمديد للمجلس إذا فرضته ظروف ما قاهرة فإن التمديد سيكون لولاية كاملة، أي 4 سنوات، بحيث تنتهي الولاية الممددة في 2030 أي قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بسنة.
البعض يقول إن معالجة أزمة الاستحقاق النيابي ربما ستحتاج كغيرها من أزمات سابقة (الاستحقاقان الرئاسي والحكومي) إلى كلمة سر تأتي من الخارج، وفي ضوئها سيعرف ما سيؤول إليه مصير الانتخابات النيابية المقبلة تأجيلا إو إجراء.

alafdal-news
