طارق ترشيشي - خاص "الأفضل نيوز"
يقول ديبلوماسيون مطّلعون على الموقف الإيراني لموقع "الأفضل نيوز" إنّ هناك رسالة وصلت فعلًا من المرجع الشيعي الأعلى في النجف السيّد علي السيستاني إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيّد علي خامنئي، أمّا مضمونها فلم يطّلع عليه أحد، وإنّ ما نُشر عنها لا يعبّر عن حقيقة هذا المضمون. ولكن إذا صحّ أن هناك تمايزًا في الموقف بين هاتين المرجعيتين الشيعيتين حول أبناء الطائفة الشيعية في لبنان وغيره، فإنّ هذا التمايز هو في مكانٍ ما يريح الشيعة وليس العكس.
ويضيف الديبلوماسيون أنّ الذين يعملون على إظهار هذا التمايز بين الشيعة على أنه عامل سلبي إنما يهدفون إلى إحداث انقسام بين المكوّن الشيعي وبقية المكوّنات الأخرى، سواء في لبنان أو في الخارج، تمامًا مثلما يحاولون داخليًّا إيجاد تمايز بين حركة "أمل" وحزب الله أو بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة الحزب، فضلًا عن العمل على إحداث تمايز داخل البيئة الشيعية عمومًا والتي تشكّل الحاضنة لثنائي حركة "أمل" و"حزب الله". ولكن في المطلق فإنّ صورة هذا التمايز لا تضرّ بالشيعة عمومًا.
ويتحدّث الديبلوماسيون عن التطوّر المتعلّق بـ"تطعيم" لجنة الميكانيزم بشخصيتين مدنيّتين، ويقولون إنّه كان من المفترض أن تكون مرحلة التنازلات التي أقدمت عليها السلطة اللبنانية تحت الضغوط الأميركية والإسرائيلية قد انتهت بالقرار الذي اتخذته الحكومة بحصرية السلاح بيد الدولة قبل أوانه، ولكن تعيين السفير السابق سيمون كرم رئيسًا للوفد اللبناني المفاوض في لجنة الميكانيزم شكّل تنازلًا إضافيًّا ومجانيًّا كالتنازلات السابقة التي لم تردّ عليها إسرائيل بتنازلات مماثلة، بل ردّت بالاستمرار في عدم التزام وقف إطلاق النار والقرار 1701 ومواصلة الغارات والاعتداءات، ما يعني أنّ كل التنازلات كانت من طرف واحد هو لبنان. وأنّ التنازل الأخير بتعيين كرم ردّت عليه إسرائيل بتصعيد هدفه فرض التفاوض تحت النار، وكأنها تعتبر هذا التعيين علامة ضعف في الموقف اللبناني.
ولذلك يقول الديبلوماسيون المطّلعون على الموقف الإيراني وموقف حزب الله أيضًا، إنّ الحزب الذي يعتبر هذه التنازلات مجانية بات يتصرّف على أساس أنه لا ينبغي بعد الآن تقديم تنازلات جديدة، وأنّ ما قدّم منها حتى الآن يكفي. ويؤكّد هؤلاء أن الوضع ذاهب إلى تصعيد سيحدّد الطرف المعتدي الأميركي ـ الإسرائيلي شكله وحجمه، فإمّا يكون تصعيدًا عسكريًّا أو مزيجًا من العسكر والسياسة والمال، لكن حزب الله بات مستعدًّا لمواجهة كل الاحتمالات، وفي حال بقي الوضع ضمن السقوف الحالية أو ضمن حجم محدود من التصعيد فإنه سيكون قادرًا على الامتصاص. أمّا إذا تطوّر الوضع إلى مواجهة كبيرة فعندئذ سيكون مستعدًّا لها بكل ما أوتي من قوة وإمكانات.
ويقول الديبلوماسيون إن المبادرات التي قدّمتها وتقدّمها دول عدّة ومنها مصر وغيرها لا قيمة لها لأنها كلها تصبّ في إطار تلبية ما تطلبه إسرائيل، وتُرتّب على لبنان مزيدًا من التنازلات من دون حصوله في المقابل على أي ضمانات حقيقية لتنفيذ اتفاق 27 تشرين الثاني 2024 والقرار الدولي 1701 اللذين لم تلتزم بهما إسرائيل حتى اليوم.
فالثنائي الشيعي يعتبر أنّ لبنان التزم وطبّق المطلوب منه بموجب الاتفاق، وأنّ الدور هو على الطرف الإسرائيلي لينفّذ المطلوب منه، ومع ذلك فإنّ الثنائي يتّخذ موقف المنفتح على الحلول ولكن ليس تحت النار، فهناك خطوات على الإسرائيلي أن يخطوها ومنها التزام وقف النار، والانسحاب من المناطق التي يحتلّها، وإطلاق الأسرى، وتسهيل عودة الجنوبيين إلى قراهم حتى ولو كانت مدمّرة لكي تبدأ ورشة إعادة الإعمار، وبعد ذلك يبدأ البحث في الترتيبات الأمنية لمعالجة الأوضاع على الحدود الجنوبية، وفي هذا المجال يتمسّك لبنان بالعودة إلى اتفاقية الهدنة المعقودة في آذار 1949 التي ما تزال قائمة رغم تنصّل إسرائيل منها عام 1967 من طرف واحد.
في رأي هؤلاء الديبلوماسيين إنّ الإسرائيلي لا يريد الالتزام بأي اتفاق، وإنّ ما يقوم به الآن من تهديد وتصعيد إنما هو تهيئة الأرضية لتنفيذ مشروعه الذي يتطلّب سحب قوات "اليونيفيل" من الجنوب وإحلال قوات دولية مكانها بصلاحيات حربية، وإذا فشل هذا المشروع تُقدِم إسرائيل على احتلال منطقة جنوب الليطاني لتكون خط دفاع أول لها، أي منطقة عازلة تقع تحت سيطرتها الكاملة ومدمّرة كليًّا لا حجر فيها ولا بشر. أمّا خط الدفاع الثاني فيتكوّن من منطقة شمال الليطاني ويكون تحت سيطرتها الأمنية والمعلوماتية الإسرائيلية، وخالية من أي وجود للمقاومة.
والواقع، حسب الديبلوماسيين أنفسهم، أن الأميركيين والإسرائيليين محرجون في الوقت الحاضر ولذلك هم مستعجلون في إقفال الملفّين اللبناني والسوري حسب ما يريدون، بحيث إنهم يحاولون فرض الترتيبات الأمنية نفسها في لبنان وسوريا ويتصرّفون على أساس أنهما ساحة واحدة، فما سيسري على سوريا سيسري على لبنان وبالعكس. ولذلك فإن تجميدهم الوضع في لبنان وعدم الدخول في حلول بشأنه حتى الآن مردّه إلى أنّ الملفّ السوري لم ينضج لديهم بعد.
وفي كل الحالات، يقول الديبلوماسيون، فإن واشنطن وتل أبيب تحاولان أخذ ما تريدانه من لبنان وسوريا من دون اللجوء إلى الحرب، ولكن إذا شعرتا أن مشروعهما اللبناني ـ السوري سيصطدم بعقبات ستذهبان عندها إلى شنّها. إلا أنه ليس محسومًا لديهما أن الحرب المقبلة إذا نشبت ستبقى ضمن حدود لبنان أم لا، خصوصًا وأن اغتيال القائد العسكري لحزب الله هيثم الطبطبائي وجدت فيه المقاومة عاملًا إضافيًّا لمصلحتها التي ستتشارك في الثأر له مع إيران التي ينتمي إليها، واليمن حيث كان له باع طويل في دعم الحوثيين، ما يعني أنه في لحظة أي هجوم أميركي ـ إسرائيلي على حزب الله لا أحد سيضمن أن هذه الأطراف الثلاثة لن تخوض الحرب مجتمعة لأخذ فرصة الرد على اغتيال الطبطبائي. ولذلك فإن الأميركي والإسرائيلي، وفي الأماكن التي يريان أن لهما فيها مصلحة، سيعملان على الفصل بين ساحات "محور المقاومة" التي ستكون واحدة في أي حرب جديدة، علمًا أن الضغوط التي يمارسانها حاليًّا تشمل المحور ككل ولكنهما يحاولان الاستفراد بكل من هذه الساحات على حدة حتى لا تكون هناك جبهة واحدة متكاملة في مواجهتهما.
على أن الديبلوماسيين لا يستبعدون راهنًا فرضية أن تكون الحرب شاملة في المنطقة، لكنهم يقولون إن المسألة الوحيدة التي لا تزال تُبعد احتمال نشوب هذه الحرب هي أن الأميركي والإسرائيلي يراجعان حساباتهما قبل اتخاذ القرار بشنّها أم لا، خصوصًا وأنه لم يثبت لديهما بعد أنها ستبقى محصورة بساحة واحدة من دون أن تشترك معها بقية الساحات.

alafdal-news
