يارا أيوب - خاصّ الأفضل نيوز
الصدمات النفسية تُعد من الموضوعات الأساسية في علم النفس العيادي، والتي ترتبط بأحداث حادة و مفاجئة كالحروب و الحوادث. إلا أن الأبحاث الحديثة، تشير إلى نوع آخر من الصدمات يُعرف بالصدمات الصامتة، فهي جروح لا تُرى، لكنّها تسكن الداخل وتعيد تشكيل الإنسان ببطء، ومما لا شّك فيه أنّها آلام حقيقيّة دون أي دليل ظاهر، كما أنّها لا تحظى باعتراف اجتماعي أو نفسي، ما يدفع صاحبها للعيش في صراع مزدوج.
تنشأ الصدمات الصامتة غالبًا من الإهمال العاطفي. وقد تولد أيضاً من نقدٍ متكّررٍ، أو مقارنةٍ دائمةٍ، أو من تحمّل مسؤوليات أكبر من العمر. فينتج عنها عوارض سريرية مثل القلق المزمن، التكتئاب واضطرابات في العلاقات الاجتماعية.
من الناحية العصبيّة، يشير الدكتور مارك بركات، أخصائي نفسي عيادي في الجامعة الأمريكية في بيروت، أن التوّتر المزمن يؤدي إلى اضطراب في عمل الجهاز العصبي الذاتي تحديداً "الهيبوثلاموس" والغدة النخامية ، الأمر الذي يؤثر على هرمون الكرتزول و الميلاتونين بطريقة عكسية، مسببًا حالات الأرق، القلق و فقدان الذاكرة. و يضيف الدكتور لوك لافين أن التوتر المزمن لا يقتصر على الشعور النفسي بالضغط، بل يؤثر مباشرة على صحة القلب. مع الانتباه إلى علامات تدل أن القلب يتأثر بالتوتر، مثل الخفقان غير الطبيعي، ضيق التنفس، و آلام في الصدر.
وعلى عكس "الترومات" الواضحة، لا تمتلك الصدمات الصامتة حدثاً محّدداً يمكن الإشارة إليه. فـ"التروما" غالباً صدمة واحدة عنيفة، لها بداية وذكرى واضحة، يعترف بها المجتمع ويُسمّيها. أما الصدمة الصامتة، فهي سلسلة من التجارب الصغيرة المتكّررة، لا يُعترف بها، ولا يُمنح صاحبها حق القول:" لقد تألمت". التروما تهزّك مرّة، أما الصدمة الصامتة، فتُعيد تشكيلك دون أن تنتبه،
وبالتالي، تظّل إشكالية الصدمات الصامتة قائمة بين إنكار المجتمع، وصمت الفرد، فأولى خطوات درب العلاج تبدأ بالاعتراف، ثم إعادة الاتصال بالمشاعر، بالإضافة إلى العلاج بالصدمات الكهربائية التي يراها الأطباء طريقة فعالة في حالات عدة منها الهذيان، الاكتئاب، الجمود والحمل.
ولأنّ الجسد يحتفظ بما تعجز الذاكرة عن سرده، فإن العمل الجسدي يصبح جزءاً أساسياً من العلاج. التنّفس الواعي، الحركة الهادئة، والاهتمام بالإيقاع اليومي، جميعها أساليب تعيد الإحساس بالأمان إلى الجهاز العصبي، وكأنّ الجسد يتعلّم من جديد بأن الراحة ممكنة.
وبدورها، تلعب العلاقات الآمنة دوراً جوهرياً في التعافي، فوجود شخص يُصغي دون تقليل، ولا يطالب بالتفسير أو التبرير، يمكن أن يكون تجربة شفاء بحّد ذاتها؛ فالعلاقة الصحيّة تعيد كتابة ما أفسدته العلاقات السابقة، وتمنح النفس دليلاً حياً على أن القرب لا يعني الأذى.
الشفاء من الصدمات الصامتة ليس حدثاً، بل مسار طويل وغير مستقيم، فيه تراجع وتقدم، شّك ويقين، لكِنه مسار يعيد للإنسان حقّه في الشعور، الهدوء، وأن يكون كاملاً دون أن يُثبت ذلك لأحد،
فالغاية ليست محو ما كان، بل أن لا يبقى ما كان حاكماً، لما سيكون،
فحين يُكسر الصمت، لا يعود الماضي سجناً، بل تجربة تُفهم… وتُتجاوز.

alafdal-news
