محمد علوش – خاص الأفضل نيوز
تمكّن المجلس النيابي من الانعقاد بعد جلسات تعطّلت سابقًا بفعل الخلاف السياسي على القانون الانتخابي، فتأمّن النصاب هذه المرّة رغم الدعوات التي أطلقتها «القوات اللبنانية» وبعض حلفائها لمقاطعة الجلسة التشريعية، في مشهد سياسي شكّل محطة كاشفة لطبيعة الصراع الدائر في البلاد، وحدود الاشتباك السياسي.
بحسب مصادر نيابية بارزة، فإن السعي لعقد الجلسة هذه المرّة كان حاجةً ملحّة فرضتها الوقائع، فالدولة تقف على حافة الشلل، والحكومة تحتاج إلى الغطاء التشريعي لتمرير قوانين أساسية، فيما أي تعطيل إضافي كان سيعني عمليًا ضرب ما تبقّى من انتظام عام، وإرسال رسالة قاتمة إلى الداخل والخارج بأن لبنان غير قادر حتى على إدارة خلافاته ضمن الأطر الدستورية.
من هنا، جاءت المساعي حثيثة لتأمين النصاب، وبحسب المصادر فقد كان واضحًا دور رئيس مجلس النواب نبيه برّي، إلى جانب رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام، في تثبيت خيار الانعقاد وعدم الرضوخ لمنطق التعطيل، انطلاقًا من قناعة بأن تعطيل المجلس هو تعطيل مباشر لعمل الحكومة.
في المقابل، بدت «القوات اللبنانية» غير معنيّة لا بسير العمل الحكومي ولا بمسار التشريع، بقدر ما كانت معنيّة بمحاولة فرض إيقاع سياسي عبر الضغط على المجلس، فخطاب المقاطعة لم يُخفِ نواياه، إذ جرى تقديمه كخطوة مبدئية، فيما هو في جوهره أداة ابتزاز سياسي، على قاعدة إمّا أن يُدار المجلس وفق شروطنا، أو فليتوقّف عن العمل. وتعتبر المصادر عبر «الأفضل» أن هذا السلوك لا ينفصل عن رؤية أوسع لدى القوات التي لم تعتد على العمل الانتخابي من داخل السلطة، فتراها تفتعل الأزمات داخل الحكومة وخارجها، حتى بدت اليوم وكأنّها عكس التيّار النيابي.
في هذا السياق، تتوقّف المصادر عند كلام رئيس الجمهورية أمس، حين تحدّث عن «انفضاح لعبة من يسوّق للحرب» وعن أطراف «تعيش على نفس الحرب لخوض الانتخابات على أساسها»، من دون أن يسمّي، ولكن المقصود لا يُخفى على أحد، والرسالة كانت واضحة بأن هناك من يستثمر في مناخات التوتّر والخطر، لا دفاعًا عن سيادة أو مبدأ، بل لتحويل الخوف إلى رافعة انتخابية.
مع ذلك، لا يمكن، بحسب المصادر، اختزال ما جرى بمنطق المنتصر والمهزوم. انعقاد الجلسة لا يعني هزيمة القوات، تمامًا كما أن الدعوة إلى المقاطعة لا تعني تلقائيًا فشل المجلس. بالنسبة إلى نبيه برّي، إدارة الأمور لا تتمّ بعقلية التحدّي وكسر العظم، حتى لو ذهب خطاب القوات بعيدًا في هذا الاتجاه، فالرجل يدرك أن تحويل كل استحقاق إلى معركة استنزاف مفتوحة يضرّ بالجميع، ولذلك هو يفضّل العمل بالمصلحة العامة لا بالحسابات الضيّقة.
اللافت في هذا السياق أن الردّ على خطاب القوات لم يقتصر على عقد الجلسة بحدّ ذاته، بل جاء أيضًا من داخل القاعة، وتحديدًا من نوّاب سنّة عبّروا بوضوح عن رفضهم لما اعتبروه ابتزازًا سياسيًا مرفوضًا. هؤلاء شدّدوا على تمسّكهم بكيانهم السياسي المستقلّ، وبقرارهم الحرّ غير الخاضع لوصاية أو اصطفاف قسري، وثبّتوا بالتالي أن الساحة السنّية ليست ملحقًا بأحد ولا ورقة تُستخدم في بازار الصراعات التي تخوضها القوات اللبنانية، وثانيًا، أن تعطيل المؤسّسات لا يمكن أن يكون الأصل.

alafdal-news
