مارينا عندس – خاص الأفضل نيوز
عاد ملف الأدوية المزورة إلى الواجهة من جديد، على الرغم من كل المحاولات التي باءت بالفشل، من ضبط الكميات الكبيرة، وتشديد الرقابة على التواريخ، وكشف الكميات المهرّبة عبر المعابر غير الشرعية. وعلى الرغم من أن القيمين على مراقبة صحة المواطن ملزمون بمنع تدفق الأدوية المزورة، إلا أن ذلك لا ينفي وجود قنوات تسمح بتسرّب الأدوية المزورة والمنتهية الصلاحية، ما يهدد حياة المواطنين.
متممات غذائية بلا رقابة
في ظل الانتشار المتزايد للمكملات الغذائية والمستحضرات الرياضية، تدّعي بعض الشركات المنتجة أحيانًا أن مكملاتها قادرة على تحسين الصحة أو الأداء البدني، إلا أن الواقع العلمي يكشف عكس ذلك. فقد تكون هذه المتممات غير خاضعة للرقابة، كما أنها قد تؤثر أحيانًا على اضطرابات الكلى والكبد وضعف المناعة، بحسب الخبراء.
وما يُباع "بلا رقابة" فعليًا هو منتجات غير مسجلة أو مهرّبة أو مباعة عبر الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي من دون ترخيص، وهي تُعد غير قانونية وقد تكون خطرة صحيًا. الرقابة لا تعني بالضرورة إشرافًا صيدليًا مباشرًا عند البيع، بل تعني أن المنتج نفسه خاضع لتفتيش ومتابعة رسمية. لذلك، فإن أي متمم غذائي بلا رقابة يُعد مخالفًا للقانون في لبنان، وما هو متداول خارج الرقابة يكون خارج الإطار الشرعي والتنظيمي.
الأدوية المزورة مشكلة ليست آنية
تُعد الأمراض المستعصية مثل السرطان، الفشل الكلوي، والتصلب اللويحي من أكثر التحديات الصحية التي تهدد حياة الإنسان وتستنزف قدراته النفسية والمادية. ورغم التقدم العلمي والطبي، لا تزال رحلة البحث عن الدواء المناسب شاقة، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار، وانقطاع الأدوية، أو غيابها الكامل عن الأسواق.
وفي خضم هذه الأزمة، تتفاقم المشكلة بسبب انتشار ظواهر خطرة مثل تهريب الأدوية، الغش، والتزوير، ما يشكل خطرًا مضاعفًا على المرضى الذين يعلقون آمالهم على دواء قد لا يكون فعالًا، أو قد يكون مميتًا. هذا الواقع المؤلم يفرض ضرورة ملحّة لإيجاد حلول جذرية تضمن توفير الأدوية الآمنة والفعالة لجميع المرضى، وتحمي القطاع الصحي من مافيات التهريب والتزوير.
كيف نميز الدواء المزور؟
أولًا – مصدر الشراء
الدواء الذي يُشترى من خارج الصيدليات المرخّصة، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو من أشخاص أو بسطات أو مواقع غير معروفة، هو الأكثر عرضة للتزوير. الشراء من صيدلية موثوقة يقلل الخطر بشكل كبير.
ثانيًا – العبوة والتغليف
وجود أخطاء إملائية أو لغوية، طباعة رديئة، ألوان باهتة، غياب النشرة الداخلية، اختلاف شكل العلبة أو الشريط عن المعتاد، أو تلف ختم الأمان، كلها مؤشرات خطرة. أحيانًا يكون رقم التشغيلة أو تاريخ الانتهاء مطبوعًا بشكل غير واضح أو قابلًا للمسح.
ثالثًا – المعلومات الرسمية
في لبنان، يجب أن يحمل الدواء رقم تسجيل وزارة الصحة أو اسم الشركة المستوردة المرخّصة. غياب هذه المعلومات أو وجود بيانات غير منطقية (عنوان غير معروف أو شركة مجهولة) علامة مقلقة.
رابعًا – السعر
السعر المنخفض بشكل غير منطقي مقارنة بالسعر المعروف في الصيدليات يُعد مؤشرًا شائعًا على التزوير، خاصة بالنسبة للأدوية المزمنة أو الغالية الثمن.
خامسًا – شكل الدواء نفسه
تغير لون الحبة أو حجمها أو رائحتها أو طعمها، أو قوام الشراب، أو اختلاف شكل الحبة عن المعتاد من دون تنبيه من الصيدلي، قد يدل على تزوير أو سوء تخزين.
سادسًا – الفعالية أو الأعراض
عدم تحسن الحالة إطلاقًا، أو ظهور أعراض غير متوقعة أو أقوى من المعتاد، قد يكون نتيجة دواء مزور أو مغشوش.
سابعًا – غياب الفاتورة أو التفسير
الصيدلي الموثوق يقدّم الدواء مع شرح ونشرة، أما الامتناع عن إعطاء أي معلومات أو فاتورة فهو أمر مريب.
ردّ النقابة
تؤكد نقابة الصيادلة أن الصيدلي غير مخوّل قانونًا بإتلاف الأدوية لغياب البنية التحتية الرسمية لذلك، وأن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق المستوردين لجهة الاسترداد والمتابعة والتلف الآمن، كما ينص القانون. لذلك، لن تقبل النقابة بتحميل الصيادلة مسؤولية أخطاء أو تقصير في تطبيق القانون، وهي تمد اليد للجهات المعنية لإيجاد حل جذري لهذه المعضلة حماية للمريض وحفاظًا على حقوق الصيادلة.
كما جدّدت النقابة مطالبتها بوضع آلية واضحة وملزمة لاسترداد الأدوية المنتهية الصلاحية من الصيدليات، حماية للصحة العامة، وصونًا لكرامة الصيادلة، ومنعًا لأي التباس أو استغلال أو تشويه للوقائع، والأهم للمساعدة فعليًا في وضع الإصبع على الجرح لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، وضمان الأفضل لصحة المواطنات والمواطنين.
لماذا الدواء الوطني أعلى سعرًا من الأجنبي؟
في تصريحات سابقة، تؤكد نقابة الصيادلة أن الدواء اللبناني يظل أرخص في المتوسط بنحو 25 - 30 % من البدائل الأجنبية، شرط الحفاظ على الجودة. لذلك تُعد إعادة ضبط التسعيرة وتشديد الرقابة أمرين ضروريين لسد الثغرات ومنع استغلال المرضى، مع مواصلة تفضيل المنتج الوطني عندما يقدم سعرًا عادلًا وجودة مكافئة.
كما تواجه صناعة الأدوية في لبنان تحديات مزدوجة تجمع بين النمو السريع والفرص المحدودة، وضعف الرقابة والتقنيات. فالمصانع بحاجة إلى تحديث دائم والتزام بمعايير الجودة، إلى جانب تسويق فعال واتفاقيات تصدير أوسع، لا سيما للأسواق العربية والأفريقية. ويؤدي الدعم الحكومي دورًا محوريًا عبر تسعير عادل، وإعفاءات للمواد الأولية، وتشريعات تدعم الإنتاج المحلي. وتُعد الفجوة السعرية بين الدواء المحلي والمستورد نتيجة لارتفاع كلفة المواد الخام وضعف الرقابة والمنافسة. ولتحقيق الأمن الدوائي، لا بد من دعم الصناعة المحلية بضوابط شفافة وثقة مجتمعية، بما يحول الأزمة إلى فرصة لبناء قطاع دوائي أكثر كفاءة واستدامة.

alafdal-news



