ممتاز سليمان - خاص الأفضل نيوز
قال الأديبُ الفرنسي الشّهير فيكتور هوغو: "من فتحَ بابَ مدرسةٍ أغلق باب سجنٍ"، في دلالةٍ واضحةٍ إلى دور التّعليم في بناء المجتمعات وتطورها، لا سيما في عصرنا الرّاهن، حيث أصبح ميزان قياس تقدّم المجتمعات ورقيها هو مدى جودة تعليمها في مدارسها وجامعاتها.
وفي زمن العولمة والحوكمة والعالم الافتراضي، ثمّة مجتمعاتٌ أصبحت خارج التّاريخ لعدم تمكّنها من مواكبةِ الحداثةِ والتّطور اللذين لا يأتيان سوى بالعلم.
حتى سنواتٍ خلت كان لبنان رائدًا في المجال التّعليمي، وكانت جامعات ومدارسه ومعاهده واحات غناء تصدّر علمًا وثقافةً إلى المحيط والعالم ككل؛ نتيجة الاهتمام الذي كان يلقاه القطاع التّعليمي على الصّعيدين الرّسمي والخاص. فالتّنصيف العالمي المتقدّم للجامعة اللبنانية شبه المجانية خير دليل على مدى الحداثة والمواكبة اللذين تتمتع بهما نتيجة وجود كادر تعليمي وأكاديمي متمرّس وممكّن ورائد على المستويات العلمية والإدارية كافة.
في الآونة الأخيرة وبالتّزامن مع مخططات هدم الدّولة ومؤسّساتها للوصول إلى حالة من الانحلال والتّحلل، وبعد ضرب القطاعات المالية والصّحية مرورًا بمجزرة القضاء، يبدو أنه حان دور القطاع التّربوي الذي هو عماد المجتمعات والأوطان الذي بضرِبه يضمنون سقوطَ الهيكل بالضّربة القاضية.
بدأت إرهاصات تفكيك القطاع التّعليمي من خلال عدم الاكتراث لمطالب المعلمين والأساتذة وتقصد تجويعهم من باب التّعليم الرّسمي، فعلى مدى ثلاث أو أربع سنوات لم يحصل تعليمٌ فعلي في المدارس الرّسمية التي أخذت تخرج عامًا بعد عام أجيالًا من الأميّين الذي سنرى فيهم الفواجع في القادم من السنين .
مفارقةٌ مهمةٌ برزت في الأفق عقب الانتخابات النيابيّة الأخيرة تمثلت في انتخاب النائب حسن مراد رئيسًا للجنة التّربية والتّعليم والثّقافة النيابيّة، ولعلها من المرات القليلة التي يتم فيها اختيار شخص مناسب في مكان مناسب، انطلاقًا من خبرته في إدارة أكبر إمبراطورية تعليميّة ناجحة من الحضانة حتى التّعليم الجامعي والعالي على امتداد الوطن، بشهادة الخصوم قبل الأصدقاء. منذ اليوم الأول انكبّ رئيس اللجنة المنتخب على وضع استراتيجيّة وطنيّة وخطّة مرحلية هدفها إنقاذ العام الدراسي الحالي بالتّنسيق مع وزارة التّربية والتّعليم العالي، وبالتنسيق مع الجهات المانحة في المجتمع الدولي لتأمين مبالغ مالية تضمن للمعلم عدم إنفاق راتبه الضئيل على النقل من وإلى المدرسة، وتتالت الاجتماعات واللقاءات سواء داخل لجنة التربية أو مع الجهات الدّاعمة على الصعيد الدّولي، ولكن في كل مرة كانت تظهر قطبًا مخفيّة ومخططات في الكواليس تحُول دون وصول المستحقات لأصحابها، وبالرغم من توفر مبالغ مالية قيل أنها كافية لإنجاز العام الدراسي الحالي برزت أصوات تقول: إن لا مال لدى وزارة التربية، وإنه لا يمكن فعل شيء في إطار من الضبابية وغياب الشّفافية.
عمد رئيس لجنة التربية النيابية إلى صبّ كل الجهود باتجاه سيرورة العام الدراسي وإعادة الطلاب إلى مقاعدهم مكان يقبل بالتّسويف والمماطلة، فطالب بعقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء لبحث موضوع التربية، كما عقد مؤتمرًا صحافيًا سمى فيه الأمور بأسمائها، طارحًا مبادرة من شأنها أن تنهض كحلّ من خلال التّبرع بتأمين بدلات النّقل لأساتذة، ولكن كالعادة صَمَّت المنظومة أذنيها ولم تتلقّف المبادرة، ولم تلتفت لها في إعمال لسياسة النكاية والمناكفة التي تتقنها جيدًا، وبادرت إلى عقد الاجتماعات مستبعدة رئيس اللجنة المعني الأول بالقطاع بحضور أشخاص لا صفة رسمية لهم من باب النّكد السياسي تحضيرًا لجلسة مجلس الوزراء التي لم تكن لتأخذ محلًا على جدول أعمال مجلس الوزراء لولا المطالبة الحثيثة وإعلاء الصّوت من رئيس اللجنة.
إنّ هذا النهج من الخفة المتبع من قبل المنظومة في التّعاطي مع قطاع حيوي كقطاع التربية والتعليم الذي يهدّد وجود الكيان بأكمله سيؤدّي في حال استمراره وعدم تدارك الوضع الحساس والمبادرة السّريعة لاجتراح الحلول إلى نكبة مجتمعيّة سيتردّد صداها المظلم في طرقات الأجيال القادمة