عبدالله قمح - خاصّ الأفضل نيوز
أنجزَ رئيس الحكومة الأسبق ورئيس تيّار المستقبل سعد الحريري ما عليه تجاه مشروع تأمين ترتيبات معينة تفيد في مسألة إعادته إلى العمل السياسي.
قبل اتخاذه قرار المكوث في لبنان مدّة أسبوع تقريباً على هامش إحياء مناسبة اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، نُصِحَ رئيس تيار المستقبل سعد الحريري أن تكون زيارته تلك "مفيدة" على صعيد مشروع إقناع الآخرين بضرورة عودته إلى الحياة السياسية. لذلك جاءت النصيحة أن يُصاحب وجوده حراك أوسع يأخذ طابعاً سياسياً واجتماعياً علنياً، ويتخلله زيارات لا تغيب عنها الملامح السياسية، مع ضرورة تبنيه مواقف ذات بعد سياسي واضح، لكن من دون الانغماس بشكلٍ مباشر في المواضيع الرئيسية. تكفي الإشارة إليها. مع اقتراحات بأن يبقى لفترة من الوقت في بيروت تتجاوز ما دأب عليه خلال العام المنصرم من حصر بقائه لساعات قليلة، بحيث يستثمر ذلك في سياق إظهار مدى الحاجة إلى وجوده. طبعاً كان لا بد من عناصر لزيادة التشويق، من ضمنها التعبير عن حالة القحط والجفاف السياسيين من جانب المسؤولين في البلاد بغياب رئيس تيار المستقبل عنه وبعض الممارسات التي حرصَ عليها مؤيدوه.
ثمّة قضية لا بد من الإشارة إليها في طريق الوصول إلى استنتاجات في ما خص زيارة الحريري. فزائداً عن كونه أرادَ وضع لمسته في سياق تسويق نظرية عودته السياسية لاحقاً، استنسب معاونوه الأجواء السياسية في الإقليم والتطورات الحاصلة. ولا بد من الإشارة إلى تكيف هؤلاء مع المتغيرات السياسية السعودية في شأن نظرتها إلى لبنان ككل والتي طبعت الموسم الأخير من نسخة السفير السعودي وليد البخاري، الذي بدا ميالاً صوب الانغماس أكثر في الشؤون اللبنانية. ولقد قاد (أو حاول قيادة) المجموعة الخماسية في بيروت، مضافاً العمل على توجيهها سياسياً بعد انتشالها من حالة الركود. والعبارة الثانية تتجلى بإبداء الجانب السعودي رغبةً في التعاون مع لبنان في مجالات ذات طابع أمني أو قانوني في المسائل العالقة بين البلدين في ما له صلة تحديداً بموضوع الموقوفين اللبنانيين في السعودية.
هذا التحول ليس نابعاً من تبدل على صعيد الأجهزة الأمنية اللبنانية نحو الحزم تجاه مهربي المخدرات إلى المملكة المترافق مع حزم موازٍ على صعيد القوى السياسية الأساسية في البلاد، إنما نابعاً من إعادة السعودية قراءة المشهد اللبناني بموازاة التحولات الجارية، والوصول إلى خلاصة مفادها أن ترك الحالة السنية في تخبط دام لعامين على الاقل، أوجد هدفه من خلال إظهار عدم قدرة أي فريق داخلي أو خارجي على سد خروج السعودية. وبالتالي تعود الرياض مرة اخرى لكن وفق أدبيات مختلفة، هذا فضلاً عن مسائل أخرى مرتبطة بالتغييرات التي حكمها هجوم "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانعكاساته على المستويين الفلسطيني واللبناني. وإزاء التحول الجاري على صعيد المفاهيم السنية تحديداً من مسألة المقاومة ككل وانتشار صور "أبو عبيدة" كمُعبّر عن الحالة السُنيّة بما أوحى أنه في صدد التحوّل في لبنان إلى "مشروع زعيم"، وإزاء نفس التحوّل الذي قاد الجماعة الإسلامية مثلاً إلى الانصراف نحو التحوّل إلى "فصيل عسكري" مُتحالف مع حزب الله، وحالة الاستقطاب التي أفادته على مستوى الطائفة، كان لا بُدَّ إذاً من تحرّك سعودي حاسم ولافت.
محال عدم اعتبار ما يمكن تسميته "بروفا سعد الحريري" خارجة عن هذا المشروع.
في مقابلته على قناة "العربية – الحدث"، أوحى الحريري باشتياق كبير إلى إطلاق مواقف سياسية وملاقاة مواقف، وأخرى تحاكي رغبات المملكة. زاد عليها تشديداً حول الإشارة إلى الجهة المتهمة باغتيال والده، والأهم تلميحه إلى كونها "تدفع الثمن" (قد تكون الإشارة إلى غياب أدوار الحريري الأب الذي نجح في تأمين تفاهم نيسان عام 1996 الذي صنف كانتصار للمقاومة)، وهذا إنما لا يأتي من خارج موافقة سعودية حول إظهار صورة الحريري وإحصاء مدى منفعته أو تأثيره السياسي بالوضع الحالي.
عملياً، كان لا بد من هذه المقابلة لتقود إلى رسم الصورة المقبلة لسعد الحريري فيما لو اختير له العودة سياسياً.
يقول سياسي مخضرم، إنّ ما ورد في مقابلة "العربية" يُشكل اللُبنة السياسية الأساسية أو القاعدة الضرورية التي ستقود إلى فحص مدى منفعة الحريري من العودة للحياة السياسية. قد تشكل هذه المقابلة استثماراً صالحاً ومبدئياً يُتيح درس مدى الإفادة من العودة، أو تكاد تكون نافعة في سياق تسويق العودة أو ربما وضعت أوراق اعتماد.
الثابت أن الحريري عائد، لكنه يدرس عودته ويمهد لها، ولن تكون العودة واردة قبل اتضاح ظروف المنطقة التي تحتاج إلى وقت.

alafdal-news
