د. علي دربج -خاصّ الأفضل نيوز
مع كل اجتماع للعائلة على مائدة الطعام، ونخص بالذكر تلك التي تحتوي على أطباق تتطلب منا أن نسكب عليها زيت زيتون "كالكبة مثلا أو التبولة أو الحمص أو الفول، يتلقف أهالينا ـــ لا سيما من يملك منهم كروما من أشجار الزيتون أو حتى من لا يملك سوى شجرة أو اثنتين أمام داره ــ الفرصة للحديث وبلهجة يملؤها الفخر والاعتداد بالنفس عن الفوائد الصحية لهذا الزيت ومزاياه المتعددة.
والمفارقة هنا، أن غالبية الجيل القديم، بالرغم من أنهم لم يستندوا في معلوماتهم إلى أي مرجع علمي أم طبي أو أكاديمي، غير أن نظرياتهم الفطرية حول المنافع الصحية المطلقة لهذا الزيت، جاءت متطابقة تماما مع أحدث الدراسات العلمية حول هذا الموضوع والتي أكدت جميعها أهمية هذا الزيت الذي أقل ما يقال عنه، أنه نعمة أنزلها الله على البشر، لا يعرف بعد، قسم كبير منه قيمته.
وماذا تقول أحدث الدراسات عن زيت الزيتون؟
في الواقع، وجدت دراسة رصدية (تسمى أيضا دراسة بالملاحظة أو دراسة وصفية) أجراها باحثون في جامعة هارفارد T.H ونشرت في 6 أيار الحالي في JAMA Network Open (مجلة طبية شهرية مفتوحة الوصول صادرة عن الجمعية الطبية الأمريكية وتغطي جميع جوانب العلوم الطبية الحيوية) أن الاستهلاك اليومي لزيت الزيتون يرتبط بانخفاض خطر الوفاة بسبب الخرف.
وأظهرت الدراسة التي استندت إلى فحص مجموعتين من المتخصصين في مجال الصحة في الولايات المتحدة، عددا من الحقائق المذهلة يمكن إيجازها بالآتي:
1 ــ إن تناول ما لا يقل عن نصف ملعقة كبيرة من زيت الزيتون يوميا كان مرتبطا بانخفاض خطر الوفاة بسبب الخرف بنسبة 28%، مقارنة بأولئك الذين لم يستهلكوا زيت الزيتون مطلقا أو نادرا.
2 ـــ كان المشاركون الذين أبلغوا عن استهلاك المزيد من زيت الزيتون أقل عرضة للوفاة بسبب الخرف، بغض النظر عن جودة نظامهم الغذائي أو التزامهم بالنظام الغذائي لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، والذي يتكون من الكثير من الفواكه الطازجة والخضروات والحبوب الكاملة والمكسرات وكميات معتدلة من الأسماك والدواجن.
3 ــ استبدال حوالي ملعقة صغيرة من السمن والمايونيز، بكمية معادلة من زيت الزيتون كان مرتبطا بانخفاض خطر الوفاة بسبب الخرف بنسبة تتراوح من 8% إلى 14%.
4 ـــ راقبت الدراسة مجموعتين من أكثر من 92000 من المهنيين الصحيين الأمريكيين من الذكور والإناث على مدار 28 عاما. وكان ما يقرب من 65 % من المشاركين من النساء. وتوفي 4,751 من المشاركين بسبب الخرف خلال فترة الدراسة.
الأهمية الصحية لزيت الزيتون
من المعروف أن الزيت، يُعدّ عنصرا أساسيًّا في النظام الغذائي لسكان منطقة البحر الأبيض المتوسط، وهو يكاد يحضر يوميا على مائدة طعامهم. وعليه فإن مواطني دولها ومنهم لبنان (كونه يشتهر بأجود أنواع هذا الزيت)، يُعتبرون من المحظوظين، بعد أن وجد فحص كان قد أجري عام 2022 لنفس المجموعتين في الدراسة، أن ارتفاع استهلاك زيت الزيتون كان مرتبطا بانخفاض خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 19 % تقريبا ، مقارنة بأولئك الذين لم يستهلكوا زيت الزيتون أبدا أو نادرا.
اللافت أن إحدى الدراسات المنشورة في عام 2014، كانت خلصت إلى ذات النتيجة، حيث شددت على أن زيت الزيتون البكر الممتاز، على وجه التحديد، يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى كبار السن.
وبالمثل وجدت تجربة سريرية عشوائية كانت أجريت في برشلونة عام 2015، أن اتباع نظام غذائي متوسطي يحتوي على زيت الزيتون "قد يقاوم التدهور المعرفي المرتبط بالعمر" لدى كبار السن.
وتعقيبا على ذلك أكدت مارتا جواش فيري ، أستاذة مساعدة في التغذية في كلية هارفارد تي إتش تشان للصحة العامة ومشاركة في إعداد كلتي الدراستين للمجموعتين، أن زيت الزيتون ، عند استخدامه في حمية البحر الأبيض المتوسط، له تأثير مفيد ضد التدهور المعرفي". وأضافت "إنه غني بالدهون الأحادية غير المشبعة ويحتوي على مركبات ذات نشاط مضاد للأكسدة قد تلعب دورًا وقائيًا للدماغ".
وبالمثل أوضحت آن جولي تيسييه ـــ باحثة مشاركة في قسم التغذية في كلية هارفارد تي إتش تشان للصحة العامة والمؤلفة الرئيسية للدراسة التي نشرت في 6 أيار الماضي، أن زيت الزيتون "قد يفيد الدماغ بشكل مباشر عن طريق عبور الحاجز الدموي الدماغي، وقد يدعم الدماغ بشكل غير مباشر من خلال إحداث آثار إيجابية على صحة قلب الشخص أيضا.
وكيف تم بناء الدراسة؟
في الحقيقة، قام الباحثون بسؤال أكثر من 92 ألف مشارك في المجموعتين اللتين شملتهما الدراسة، عن عدد المرات التي تناولوا فيها أطعمة مختلفة كل أربع سنوات لمدة 28 عاما، بدءا من عام 1990. وقد سجل المشاركون عدد المرات التي استخدموا فيها زيت الزيتون في تتبيلة السلطة، وفي الطعام أو الخبز، أو القلي في المنزل.
المثير في الأمر، هو ما تحدثت عن الباحثة تيسييه، والتي أشارت إلى أن أحد الأطباء قام بمراجعة شهادات وفاة المشاركين الذين ماتوا خلال فترة الدراسة لتحديد ما إذا كان الخرف هو سبب الوفاة. وتبين أن 4751 من المشاركين ماتوا بسبب الخرف.
وماذا يقول علماء الصحة عن الدراسة؟
في الواقع، يدرك العديد من كبار علماء الصحة أكثر من غيرهم القيمة الصحية العظيمة لزيت الزيتون، ولهذا جاءت آراؤهم متماهية مع نتائج الدراسة، وفي هذا السياق يرى فاسيليس فاسيليو، الأستاذ ورئيس قسم علوم الصحة البيئية في كلية ييل للصحة العامة، إن دراسة هارفارد "تم إجراؤها بعناية فائقة"، وهناك جهد أوسع لمحاولة "إيجاد آلية" فيما يتعلق بـ" لماذا يمكن أن يكون زيت الزيتون، أو أجزاء أخرى من النبات، مفيدًا لصحة القلب والأوعية الدموية أو الصحة المعرفية".
وأضاف فاسيليو: "لا نعتقد أنه مركب واحد أو مركبان. يحتوي زيت الزيتون على مضادات الأكسدة الفينولية، وهي مهمة جدًا للحماية من الإجهاد التأكسدي. ولكن هناك الكثير من الأشياء الأخرى التي تحدث هناك."
ولفت فاسيليو إلى أنه يشرب ملعقتين كبيرتين من زيت الزيتون الغني بمحتوى البوليفينول كل صباح، بالإضافة إلى الطبخ بزيت الزيتون بشكل يومي. وقال: "في بعض الأحيان أضعه فوق الآيس كريم الخاص بي".
وليس بعيدا عن ذلك، قال ديفيد نوبمان، أستاذ علم الأعصاب في مايو كلينيك في روتشستر بولاية مينيسوتا، إن الدراسة الرصدية هي بحث "لطيف للغاية"، لكن أولئك الذين تناولوا المزيد من زيت الزيتون قد يكونون "أكثر وعيًا بالصحة من أقرانهم".
أما جواش فيري فأشارت إلى أن "اختيار زيت الزيتون" بدلاً من الدهون المعالجة، مثل السمن والمايونيز، "يعد خياراً آمناً وقد يقلل من خطر الإصابة بالخرف المميت".
في المحصلة، قدمت لنا الدراسة أسبابا وجيهة وواضحة عن مدى الإفادة التي لا تعوض من زيت الزيتون وبينت أنها بمثابة الكنز الثمين لكل من يملك أعدادا منها، وهذا بدوره يجب أن يكون دافعا كبيرا لنا، للحفاظ على هذه الشجرة والحرص على زراعتها وبكثرة في بلادنا.