ليديا أبودرغم - خاصّ الأفضل نيوز
لا زالت غزة تسيطر، بصمودها أمام طيران وبوارج ودبابات جيش الاحتلال، على الأحداث وشغلت كبريات عواصم العالم بدون منازع، ومع ذلك هناك عوالم كثيرة تجري على ساحاتها، أحداث كبرى شديدة الارتباط، وتدفع بقوّة نحو إعادة ترتيب المسرح الدولي الذي اختل ميزانه وزُعزع استقراره؛ بسبب هيمنة الولايات المتحدة الأميركيّة.
فالقارة السمراء، التي تشهد حراكًا يلتقي مع فلسطين في هدف التحرر والانعتاق من قبضة القوى الاستعمارية التي نهبت خيراتها وحرمت أبناءها من العيش الكريم وتركتهم فريسة للجهل والفقر والصراعات الدموية، تبدّل وجهها بسرعة، وفرضت أهميتها الاستراتيجية على عدد من القوى العالميّة ولاسيما الصين والولايات المتّحدة الأميركية وروسيا وإيران الدخول في حلبة تنافس لحجز موطئ قدم لها بما يحقق مصالحها ويفتح لها آفاقًا لتحقيق أكبر قدر من المكاسب.
وتكتسب القارّة الأفريقية أهمّيتها من كونها تشكّل خزّان العالم الاستراتيجي من الموارد الطبيعية كالنفط والغاز والمواد الأوليّة والأحجار النفسية التي يشتدّ الضغط عليها في ظل التنافس الشديد بين كبرى الدول المستهلكة لهذه الموارد إثر ازدياد الطلب العالمي وتقلّص نسبة الاحتياطيات العالمية ومعدّلات الإنتاج في أماكن ومناطق أخرى من العالم، فدخلت الصين إليها من بوابة الاقتصاد والتجارة، إذ وجدت الصين ضمن هذه المعطيات انّه من الممكن للقارة الأفريقية أن تحتل موقع الشريك الاستراتيجي، فتعمل دول القارة على إشباع نهم الصين من المواد الأولية والطبيعية، في حين تقوم الصين بدعم دول القارة بالمساعدات المالية، وتأمين العقود التجارية والاقتصادية وتوفير الخبرات أو المساعدات اللازمة لهذه الدول في تهيئة بنيتها التحتية والانطلاق بها نحو تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، إلا أن الصين شعرت على ما يبدو أنه من المستحيل أن تستمر في دورها الاقتصادي هناك من دون أن يكون لها دور سياسي وعسكري فاعل لذا شرعت في إقامة قاعدة عسكرية في جيبوتي لحماية طرق التجارة من الصين الى العالم، ولأن دورها بات أساسياً في الشرق الأوسط رغبت إيران بتوسيع نفوذها في إفريقيا خصوصاً في شرق القارة على خطين عسكري واقتصادي فدعمت الجيش في السودان وإثيوبيا ووقعت اتفاقات مع كينيا وأوغاندا وجيبوتي وغيرها ليكون لها موطئ قدم في القرن الإفريقي.
أما واشنطن فقد اختلفت استراتيجيتها عن استراتيجية بكّين في النظرة إلى القارّة الأفريقية على الرغم من وجود بعض العناصر المشتركة بينهما، وعلى الرغم من أنّ أميركا تعدّ الشريك التجاري الأوّل للقارة، بدأت تفقد مركزها بسرعة كبيرة لصالح الصين، بسبب البعد الأمني الذي يحظى بالأولوية في الخطّة الأميركية في التعامل مع القارة فباتت واشنطن في الآونة الأخيرة حريصة على تثبيت الحضور على الأرض عبر زيادة قواعدها العسكرية في وجه المد الروسي الصيني والإيراني.
ما جرى في أفريقيا من انقلابات عسكرية متتالية، أطاحت بأنظمة حليفة للغرب وتحديدًا فرنسا في دول، مثل: مالي، والنيجر، وبوركينافاسو، والغابون، بعد عشر سنوات من دخولها تحت عنوان ملاحقة داعش وجماعة بوكو حرام ولحقت بها القوات الأميركية قبل أشهر، ما جعل روسيا تدخل القارة السمراء من بوابة الحماية الأمنية وتدريب الجيوش معتمدة سياسة القضم الناعم والتدريجي للدول التي كانت تدور في الفلك الفرنسي، وعززت نفوذها في تشاد بعد جارتها إفريقيا الوسطى على حساب دور فرنسا الذي مازالت تعول على الفرنكوفونية الرابط الأساسي للعودة الى القارة من جديد. فهل يخسر الغرب مكتسباته في القارة السمراء لصالح الحلف الروسي الصيني الإيراني.