ليديا أبودرغم – خاص الأفضل نيوز
تكثّف واشنطن ضغوطها على "الناتو" وأوروبا لفرض عقوبات على بكين، في مشهد يعكس تداخل المعارك التكنولوجية والطاقوية في قلب التنافس الأميركي ـ الصيني.
وفي خضمّ التوترات التجارية العالمية وتصاعد الضغوط الناجمة عن السياسات الحمائية التي يعتمدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، برز لقاء رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كرسالة سياسية واقتصادية مزدوجة. شدّد خلاله الجانبان على أهمية التعاون والتفاهم المتبادل بين ثاني وثالث أكبر اقتصادين في العالم، في محاولة لتفادي اندلاع حرب تجارية جديدة تهدّد استقرار الأسواق العالمية.
اللقاء لم يقتصر على مناقشة العقبات التجارية، بل حمل أيضًا بُعدًا استراتيجيًّا يتعلّق بدور الصين المتنامي في الحسابات الأوروبية، سواء على صعيد العلاقات الاقتصادية أو في ما يخصّ الحرب في أوكرانيا والتوازنات الدولية في مواجهة السياسات الأميركية. خاصة أنّ الصين باتت تحتل موقعًا أكثر مركزية في الحسابات الاستراتيجية الأوروبية المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، إذ يرى كثيرون أنّ نفوذ الرئيس الصيني شي جين بينغ على نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ودور بكين كشريان حياة اقتصادي لروسيا، يشكّلان مسارًا أكثر واقعية لتحقيق السلام مقارنة بالسياسة الخارجية غير المتوقّعة لترامب.
وثمّة عوامل استراتيجية واقتصادية تدفع باتجاه التقارب الصيني ـ الأوروبي، حيث تسعى الصين إلى تعزيز حضورها في الأسواق الأوروبية عبر مبادرة "الحزام والطريق"، بينما تبحث أوروبا عن توازن في علاقاتها الدولية وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، وسط تحديات تجارية وتقنية وأمنية متزايدة تُعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي.
وفي ظلّ هذا الوضع، فإنّ التنسيق مع الصين قد يوفّر لأوروبا هامشًا أوسع للمناورة، ولا سيّما مع الحاجة إلى أسواق بديلة واستثمارات جديدة لتعويض أيّ خسائر ناجمة عن تصعيد محتمل مع واشنطن.
كما أنّ وفي ظلّ تراجع الدور الأميركي في قضايا المناخ، ستواصل الصين وأوروبا قيادة الجهود العالمية لمكافحة التغيّر المناخي، خاصة أنّ كلا الطرفين يعتبر الاستدامة البيئية أولوية استراتيجية؛ إذ تسعى الصين لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، بينما يعمل الاتحاد الأوروبي على تحقيق الهدف ذاته بحلول عام 2050 عبر مبادرات مثل "الصفقة الخضراء الأوروبية".
وفي ظلّ تصاعد التوترات العالمية وعدم اليقين بشأن سياسات الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب الثانية، يظلّ التقارب الصيني ـ الأوروبي رهينًا بمزيج من المصالح المشتركة والتحديات المعقّدة، وبقدرة الطرفين على تجاوز الخلافات وتطوير آليات تعاونٍ أكثر استدامة، بعيدًا عن الاضطرابات التي تفرضها التقلبات السياسية الأميركية.
من هنا، على أوروبا أن تصوغ سياسة مستقلّة تعيد "العودة" إلى الصين بطريقة متوازنة، بين الحاجة إلى حماية مصالحها الاقتصادية والأمنية مع الولايات المتحدة، والسعي إلى تعزيز شراكاتها مع الصين في القضايا التي تخدم أجندتها طويلة الأمد، لتجنّب الانهيار تحت وطأة القوتين العُظميين.