ليديا أبو درغم - خاص الأفضل نيوز
دخل إغلاق الحكومة الفيدرالية الأميركية يومه الخامس، بعد تهديدات من الرئيس ترامب بإلغاء آلاف الوظائف بشكلٍ دائم، مما يزيد من خطورة الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها الولايات المتحدة. ورغم أن الإغلاقات السابقة لم تؤثّر كثيراً على الاقتصاد، إلا أن هذا الإغلاق قد يسبّب أضراراً أكبر، مع رفع إدارة ترامب السقف بالتلويح بخيار الإقالات بدل التجميد المؤقت للرواتب، إذ قد يتمّ إيقاف نحو 750 ألف موظفٍ فيدرالي عن العمل مؤقتاً، بتكلفةٍ يوميةٍ إجماليةٍ تقارب 400 مليون دولار، فيما يواصل آخرون مهامهم من دون أجر.
وأتى هذا الإغلاق الكامل عقب فشل الحزبين الجمهوري والديمقراطي في التوصّل إلى اتفاقٍ لتمديد تمويل الإنفاق الحكومي، وعدم إقرار الكونغرس الحالي أيًّا من مشاريع قوانين الاعتمادات الاثني عشر اللازمة لتمويل الحكومة الأميركية.
اقتصادياً، يحذّر الخبراء من أن كل أسبوع إغلاق سيكلّف الولايات المتحدة خسارةً تقدَّر بـ0.2% من الناتج المحلي الإجمالي، إضافةً إلى تعطيل تقارير حيوية مثل بيانات الوظائف، وتأجيل تقارير اقتصادية مهمة. كما ستُغلق العديد من المكاتب الحكومية، ربما بشكلٍ دائم، بعدما توعّد الرئيس دونالد ترامب بـ"إجراءاتٍ سيئة لا يمكن الرجوع عنها"، ردّاً على رفض الديمقراطيين تمرير حزمة الإنفاق الجمهورية. وسيُعرقل الإغلاق الحكومي خدمات وزارات التعليم والوكالات البيئية والطاقة وخدماتٍ أخرى، وقد يهدّد سلامة الأسلحة النووية، في حين تبقى برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية قائمةً لأنها مموَّلة بقوانين دائمة.
وتُعدّ المتغيرات السياسية وراء الأزمة الأخيرة في الكونغرس مختلفةً عن تلك التي شكّلت المراحل السابقة، ما يجعل من الصعب التنبؤ بمدة استمرار الإغلاق الحالي الذي قد يترك تداعياتٍ أعمق إذا مضى الرئيس دونالد ترامب في خططه التي قد تطال ملايين الأميركيين.
وتُظهر البيانات أن تأثير الإغلاق على الأسواق المالية والاقتصاد الأوسع يبقى محدوداً نسبياً، لا سيما إذا استمرّ لفترةٍ وجيزة. في حين، يرى بعض المحللين أن استمرار حالة الجمود لشهرٍ أو أكثر من شأنه أن يُغذّي حالة عدم اليقين في الأسواق ويقوّض ثقة المستثمرين التي عادت مع الإعلان عن رسومٍ جمركيةٍ جديدة، كما أنه سيكون من الصعب على الأسهم مواصلة الصعود إذا كان لا أحد يعرف ما ستكون عليه الصورة المالية خلال العام المقبل.
هذه الظروف وضعت مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي في مأزق، فإذا رفع البنك أسعار الفائدة لحماية الاقتصاد من التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية، فإنه يخاطر بدفع الاقتصاد نحو الركود. أما إذا خفّض أسعار الفائدة لتحفيز النمو في ظلّ تباطؤ التوظيف، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الإنفاق وتفاقم التضخم، ما سيشكّل مواجهةً سياسيةً واقتصاديةً ذات تداعياتٍ كبيرة على الدولار والذهب والاقتصاد العالمي. ومع استمرار الأزمة، قد تتضاعف الضغوط على الولايات المتحدة والخارج على حدٍّ سواء.
يبدو أن الكيديات السياسية هي السبب الحقيقي وراء مشكلة الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة، ولا تنحصر في كونها أزمة تمويلٍ فقط، بل إنّ ملامح اختبارٍ دستوريٍّ جديدٍ تلوح في الأفق، في ظلّ غياب أيّ مؤشراتٍ إلى حلٍّ قريب.