خاص الأفضل نيوز
بإمكان وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي أن يقول إنه حقق إنجازاً في حجز درّاجات المواطنين النارية، أو في الحد من نشاطها ليلاً ونهاراً، وإفراغ الشوارع ولو جزئيًّا منها، أو إخراج معظمها عن الخدمة.
وبإمكانه أيضاً الادعاء وهو في كامل وعيه أن حركة "السارقين" على متن الدراجات، قد انخفضت بشكل واضح، كما بإمكانه القول إنه نجح في إجبار السوريين على ملازمة منازلهم وأعمالهم ممّا أدى في البقاع إلى ارتفاع صرخة المزارعين، أو أنه لم يعد بإمكان اللبناني العمل كـ"ديليفيري".
لكن مهلاً، الأمر لم يتوقف على كل ذلك، إلّا أن ربات المنازل طالهن قرار الوزير، فقد انقطعن عن طلب احتياجاتهِنَّ من الملحمة والسوبر ماركت و مركز التسوق و محل الخضار، بسبب عدم وجود عمّال توصيل.
معاليه، يمكنه اليوم القول، إن الأمن "ممسوك" فعلاً، بعدما بات الخوف يسيطر على من يمتلك دراجة نارية، وبات يقبض عليها تماماً كالقابض على جمر. فقد نجح مولوي بطريقة لا تقاس بزرع الرعب في قلوب أصحاب الدراجات إلى درجة أنهم باتوا يتابعون عبر هواتفهم لحظة بلحظة أماكن الحواجز الأمنية.
وهنا أيضاً يمكن للوزير الذي كان قاضياً، أن يراسل مارك زوكربورغ، ويبلغه بأنه المسؤول الوحيد الذي دفع بسائر المواطنين إلى تأسيس أكثر من 100 مجموعة على تطبيق المحادثة الشهير (واتساب) دفعة واحدة، وتحويلها إلى أجهزة رصد واستشعار متنقلة، اتفقوا من خلالها على تقسيم الـ"ورديات" طيلة النهار لمواكبة أخبار الحواجز، بحيث تحول الدرّاج إلى خفير متنقل من منطقة إلى أخرى بهدف رصد حركة رجال الأمن، كما يمكن لمعاليه الادعاء بأنه نجح في تأمين عمل لعناصر قوى الأمن الداخلي الذين أخلوا الشوارع منذ مدة طويلة.
كل ما تقدم قد يكون نجح في تحقيقه الوزير بالإضافة إلى وضع الناس في مواجهة مع رجال الأمن، ووضع عناصر الجيش بمواجهة قوى الأمن الداخلي، والتسبّب في إنتاج مشهدية غير مقبولة من الطرفين عند تقاطع كاليري سمعان. لكن ما لم ينجح فيه معاليه هو كسر إرادة أصحاب الدراجات وسائقيها.
استناداً لذلك، لا بد من لفت النظر إلى أن قرارات الوزير هذه قد تؤدي إلى التأسيس لحالة مشابهة ليوم انفجر فيه اللبنانيون غضباً على ضريبة الدولارات الإضافية على خدمة الواتساب، فسائقو الدراجات النارية لا يقلّون قدرةً عن هؤلاء، لأنهم يمثّلون فعلاً أكبر حزب عابر للطوائف والمذاهب والمناطق، وباستطاعتهم إشعال ثورة وإسقاط الوزير و "معلمه" ساعة يقرّرون التحرّك في الساحات، ولن يتمكن أحد من الوقوف بوجههم.
والجدير ذكره، أن ما يجري اليوم يُمثّل فعلاً عقبة حقيقية أمام رجال الأمن، الذين يقفون في مواجهة أصحاب الدراجات يوميًّا، ويرصدون تململاً قد يؤدي عود ثقاب واحد إلى إشعاله، فقد باتوا بين مطرقة الوزير وسندان الناس وأسرى قرارات "همايونية"، ليس في استطاعتهم سوى تنفيذها، والالتزام بالأوامر التي تصدر بين ليلة وضحاها، إثر اجتهاد يقدّمه الوزير نفسه من دون مطالعة، وهو الذي سبق له أن رفض حالات معالجة مماثلة، ورفض نصائح بضرورة تقييد حركة الأمن على الأرض بما لا يؤدي إلى تفجير الأوضاع.
هذا الوزير، هو نفسه الذي أمر بصورة عاجلة بضرورة التحرك وملاحقة أصحاب الدراجات وكل المخالفين، متجاهلاً أن الجزء الأكبر من هذه الفوضى تسبب بها إخراج النافعات عن الخدمة لفترات طويلة.
الوزير نفسه الذي همّه ملاحقة الدراجات وأصحابها لتحقيق إنجاز على شاكلة آخرين سبقوه، هو اليوم في صورة تحرّك سفراء من أجل استيضاح مدى حدود الحملة الجارية، وأي مناطق تشمل ومتى تنتهي.
الوزير نفسه الذي لا يقرأ اهتمام المقارِّ الدبلوماسية والسياسية جيداً، يُصدر أوامره بالفتك في المخالفين نظريًّا، من دون مراجعة مسؤولية الدولة التي يحل عليها مخرباً، لا من خلال السماح باستيراد الدراجات، ولا من خلال السماح ببيعها من دون تسجيل. فيُصبح نفسه مسؤولاً بطريقة واضحة عن تقييد عمل مصالح تسجيل الآليات والنافعات، ويُصبح مسؤولاً عن فلتان وقح وانتقاص مستغرب من قيمة القانون. بل ، ويساهم في شكلٍ يومي بضرب هيبة الدولة والقانون بتجاوز فاضح لأصول المساواة في أي دولة بين الحقوق والواجبات.
هذا الوزير الذي يركض مسرعاً في اتجاه تمكين نفسه من موقع أو منصب سياسي يأتي من خلفية الشاعر بأنه مرغوب لأمر وظيفة ما، تولى أحدهم إقناعه بها، ولا تقل عن موقع رئيس مجلس وزراء. ذلك هو يريد تحقيق أحلامه عبر الدوس على أجساد المواطنين وأحلامهم وتعبهم.