عبدالله قمح - خاصّ الأفضل نيوز
كما كان متوقعاً، لم تسفر جولة المبعوث الرئاسي الفرنسي الخاص جان إيف لودريان في بيروت سوى عن تعميق المأزق الفرنسي في لبنان، وزيادة مساحة التباعد مع الفرقاء السياسيين. وطوال يومين من الجولات والنقاشات، تأكد أن فرنسا عاجزة عن تحقيق تقدم سياسي يدفع صوب تقريب المسافات بين القوى المتباعدة، كما أنها ليس لديها "أنياب" تستطيع من خلالهم الضغط على من تعتبر أنهم يعرقلون الاستحقاق الرئاسي. وبدا واضحاً أن الموفد الفرنسي احتاط منذ البداية رافضاً التوصيفات التي استبقت زيارته، كأنه يحمل اقتراحاً فرنسياً رئاسياً أو أنه في صدد طرح فرضية تقوم على دعوى الأفرقاء إلى باريس من أجل الجلوس على طاولة حوار. وبدلاً من ذلك، تولت سفارة بلاده التسريب على إعلام معين من أن لودريان لا يحمل مبادرات، إنما أتى إلى بيروت من أجل إجراء جولة استطلاعية على السياسيين مترافقة مع مشاورات محدودة لمعرفة أين أصبحوا ومن أجل الاستفادة من الوقائع التي سيضع يده عليها كي يتمكن من تدوين ملاحظات في تقرير مطلوب من إعداده لمصلحة الإدارة الفرنسية قبل حلول موعد اللقاء بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي جو بايدن على هامش إحياء ذكرى إنزال النورمندي.
عملياً، ظهرت تجليات زيارة لودريان ومضمونها خلال اللقاءات التي شهدها مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، ومقر كتلة الوفاء للمقاومة في حارة حريك، ولا سيما اللقاء الذي جمعه برئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وبحسب المعلومات، جال لودريان مستمعاً إلى ما لدى الأفرقاء من ملاحظات. لكنه لم يخف ميل فرنسا إلى "الخيار الثالث" الرئاسي، أي الوسطي، وفي ذلك إعلان نهائي عن خروج فرنسا من المبادرة السابقة القائمة على دعم ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة.
في هذه الأثناء، شكلت الجلسة مع فرنجية عنواناً عريضاً للتعبير عما يختلج صدر لودريان، ولها أن تحكي أو تكشف عن طبيعة الزيارة وأهدافها وما أراده الفرنسيون (أو لودريان) بالضبط، أو ما أتى من أجل تسويقه في بيروت.
تؤكد المعطيات أن الجلسة بين فرنجية ولودريان غلب عليها في كثير من الأوقات طابع التشنج، ربطاً بطروحات لودريان. فالمندوب الفرنسي، جاء بصيغة التمني على رئيس تيار المردة إعلان انسحابه من المشوار الرئاسي وإتاحة الفرصة أمام مرشح ثالث. ما فهم من جانب فرنجية، أن لودريان يتهمه أو أنه يحمل اتهاماً فرنسياً لها بأنه يعرقل انتخاب رئيس للجمهورية نتيجة إصراره على ترشيحه. غير أن فرنجية توجه إلى ضيفه بشرح مستفيض أعلن خلاله أنه مرشح يمثل فريق سياسي وازن وصاحب أرقام ثابتة في مجلس النواب، وإنه ليس في وارد الانسحاب من السباق على رئاسة الجمهورية ما دام أن فريقه يدعمه وطالما أن فرضية "الخيار الثالث" لا توافق شامل عليها، وطالما أن النظرة السياسية العامة لها أقله من جانب فريق وازن تأتي بهدف سحب ترشيح سليمان فرنجية. وبحسب المعلومات، حاول لودريان إسقاط توصيفات على الواقع الراهن لا تمت بصلة إلى الحقيقة أو واقع الأمور، وحاول من جانب آخر، ومن خلال التلميح إلى أهمية أن يتحول فرنجية إلى شريك من اختيار الرئيس على مبدأ "الخيار الثالث". كما أن المندوب الفرنسي، حاول بث أجواء غير دقيقة تشير إلى وجود رغبة لدى قوى سياسية وازنة في الذهاب نحو رئيس "خيار ثالث"، ما فهم مجدداً على أن لودريان يلمح أمام فرنجية بأنه المسؤول عن عرقلة هذا الخيار طالما أنه يرفضه.
في النتيجة وإن شاب الجلسة تباين في وجهات النظر، يبقى ثابتاً أن فرنجية مستمر في ترشيحه كما أنه يبدي حرصاً في المحافظة على أفضل العلاقات مع باريس، وقد تولى تقديم وجهة نظره ووجهة نظر الفريق الذي يدعمه بوضوع وبعيداً عن "المكياجات". ومن الثوابت التي ترسخت مع زيارة لودريان الأخيرة، أنه بات يعمل وبوضوح على تسويق فكرة "الخيار الثالث"، وإن المسعى الفرنسي الرامي إلى جمع اللبنانيين حول طاولة واحدة لا يقصد منه سوى تسويق هذه الفرضية، مع الإشارة إلى أن الإدارة الفرنسية غير قادرة على إقناع أي فريق سياسي بالسير في مقترحاتها بشكل جدي وإن أبدت مجموعات استعدادها للسير، لعلم هذه المجموعات بعدم قدرة فرنسا على ترجمة التمنيات إلى أفعال، وإن طرحت فكرة تبقى غير قادرة على تأمين ضمانات تخدم السير بها.