د. أكرم حمدان -خاصّ الأفضل نيوز
تحلُّ الذكرى السابعة والثلاثون لاستشهاد الرئيس رشيد كرامي، في الأول من شهر حزيران، وسط ظروف مأساوية خصوصاً في فلسطين ولبنان، حيث تستمر حرب الإبادة الصهيونية -الأميركية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وحيث العدوان الصهيوني الهمجي المتواصل على جنوب لبنان، وحيث الانهيار المالي والاقتصادي والفراغ المؤسساتي يعصفان بالوطن منذ سنوات، دون أي معالجات جدية وحلول تحمل الأمل في مواجهة الألم والفقر وهجرة الشباب.
إن استذكار الشهيد الرشيد، يستدعي التذكير بمسيرته حيث كان في طليعة المدافعين عن القضية الفلسطينية، والمواجهين للعدو الصهيوني ومشاريعه التقسيمية، الرافضين أي تطبيع معه، والحافظين لوحدة لبنان وعروبته وقراره الحُرّ ضد كل مشاريع الفدرلة الأميركية أو الهمينة أو التبعية.
إن الرئيس الشهيد الذي تولى رئاسة الحكومة في لبنان منذ مطلع شبابه، أثبت مقدرة متميزة وكفاءة عالية في إدارة الدولة، مستنداً إلى الأخلاق السامية في العملين السياسي والوطني، فلم يكن سياسيًّا وصوليًّا، فقد تصدى للفساد والفاسدين، وكان بحق نموذجاً لرجل الدولة.
لقد وقف الشهيد الكبير عام 1957 ضد مشروع حلف بغداد الاستعماري، وبنى صداقة متينة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فأصبحت العلاقات اللبنانية- المصرية في عهده قوية قائمة على الاحترام المتبادل، ووفّرت استقراراً وازدهاراً للبنان لم يشهد قبله ولا بعده مثيلاً.
وعندما نشبت الحرب اللبنانية عام 1975 وطُرحت خلالها مشاريع تقسيمية، اتخذ الرئيس الشهيد رشيد كرامي الموقف الوطني التوحيدي، وتمسك بثوابت لبنان الوطنية، رافضاً الفرز المذهبي أو الطائفي، ومطالباً باستمرار بالحل الوطني العربي للأزمة بعيداً عن كل طروحات التدويل والسيطرة الأطلسية أو اقتسام القوى الدولية النفوذ في لبنان.
لقد ظن من اغتالوه أنه باستشهاده تتعبد الطريق نحو الفدرالية التقسيمية، لكن خاب ظنهم مع تمسك قوى التيار الوطني العروبي بثوابت لبنان وبرسالة الرئيس الشهيد، فانتصر خطه السياسي على مشاريع التقسيم والتدويل.
إن استذكار مزايا الشهيد الرشيد، تستدعي التمسك بالقيم والمبادئ التي استشهد من أجلها، وحملها من بعده الرئيس الراحل عمر كرامي، ثم يحملها حالياً وبكل اقتدار، الوزير السابق والنائب فيصل كرامي الذي يحافظ على الإرث والتراث، لتبقى دارة آل كرامي في مدينة طرابلس داراً للكرامة وللمبادئ الوطنية والقومية.
لقد تميز الرئيس الشهيد رشيد كرامي بأنه العروبي الأصيل الذي عمل على بناء دولة المؤسسات في لبنان، ووضع بالشراكة الكاملة مع الرئيس الراحل فؤاد شهاب خلال ست سنوات المداميك الحقيقية لبناء دولة المؤسسات، وأن كل المؤسسات تقريباً بدءاً من البنك المركزي مروراً بالمؤسسات الرقابية والصحية والاجتماعية والتعليمية وصولاً إلى المؤسسات الضامنة للعدالة الاجتماعية تحمل توقيع الرشيد.
لقد أدرك الرشيد منذ البداية أن لبنان هو وطنُ الحوار، وكان رمزًا في الانتماء والهوية وما زال رغم الغياب مثالاً لرجل الدولة الذي حمل راية المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية.
كم نحن بحاجة لأمثال الرشيد في هذا الزمن لإخراج لبنان من قعر الهاوية التي أُسقط فيها.