خليل حرب-خاصّ الأفضل نيوز
من الأخطاء الشائعة، الاكتفاء بمحاولة قراءة موقف إدارة جو بايدن من الحرب على غزة، من منظور العلاقات التي تجمعها بـ"إسرائيل" فقط. وبرغم أهمية هذا العامل وخطورته، إلا أن العامل الانتخابي الداخلي يبدو حاسما أيضا، خصوصا في ظل عدم يقين حملة بايدن، من المفاجآت التي قد تعيد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 5 تشرين الثاني المقبل.
العد التنازلي للمعركة الانتخابية بدأ بالفعل. ومثلما يبحث بنيامين نتنياهو عن "صورة نصر" عبثا منذ 8 شهور في غزة، فإن بايدن يحذو حذوه، إنما بالسعي إلى "صورة نصر" خاصة به ليسوقها أميركيا.
ألم يستهل بايدن خطابه يوم الجمعة حول الخطة المفصلة بنظره لإنهاء "حرب غزة"، بالتعليق بشكل فظ على الحكم الصادر بحق خصمه ترامب من محكمة في نيويورك تتهمه بجرائم تزوير مالية دُفعت لإسكات نجمة أفلام إباحية، علما بأن حدث الإعلان عن تسوية تتعلق بحرب تشغل الرأي العام العالمي، يفترض أنها تستحق ظهورا خاصا للرئيس الأميركي لطرح مبادرته حولها.
ولم يتوف كثيرون عند هذه المفارقة في مستهل الخطاب. بل إن بايدن استخدم اللحظة ليقول "إنه ما من أحد فوق القانون" مشيرا إلى خصمه ترامب الذي يتحتم عليه احترام العدالة، وإنه من الخطورة أن يصف الحكم بأنه "مزور" فقط لأن قرار هيئة المحلفين في المحكمة، لم ينل إعجاب الرئيس الجمهوري السابق.
يدرك بايدن أن الحكم الذي سيصدر رسميا بالتزامن تقريبا مع قرار رسمي من الحزب الجمهوري بترشيح ترامب، قد ألحق الضرر بصورة خصمه الجمهوري، وهي بالتالي فرصة، لمحاولة استكمال الإجهاز عليه أمام الناخبين. لكن بادين يدرك في الوقت نفسه، أن الضربة ليست قاضية، ولا يمكن الركون إليها لضمان بقاء الديمقراطيين في البيت الأبيض لولاية جديدة.
بُعيدَ صدور الحكم في نيويورك، أظهر استطلاع للرأي (لوكالة رويترز)، قال 56% من الناخبين الجمهوريين إن قضية تجريم ترامب، لن تؤثر على أصواتهم، إلا أن 10% من الجمهوريين استبعدوا في المقابل التصويت له. أما على صعيد الناخبين "المستقلين"، فإن 25% منهم قالوا إنهم يستبعدون التصويت لترامب.
وهو يلقي "عظة السلام" الضروري في غزة والمنطقة، كان كل ذلك في بال بايدن، مثلما في باله أيضا أن أكثر الاستطلاعات تفاؤلا حول مصيره لا تمنحه سوى 2% فارق تصويت لصالحه مقابل ترامب، وهي بالتأكيد نسبة لا تبعث على الاطمئنان. كما أنه في باله أيضا أن الموقع الإلكتروني المخصص لدعم التمويل لترشيح ترامب انهار فعليا بسبب حجم الضغوط عليه من جانب مؤيدي الرئيس الجمهوري السابق، ما إن صدر حكم في نيويورك ضده.
ترامب يرى حملة انتقامية ضده بدوافع سياسية. ولا تزال هناك دعاوى قضائية أخرى ضده، وبإمكان بايدن أن يقوم بكل ما تبرره الألاعيب السياسية، لمحاولة ضمان فوزه، حتى لو كان من ضمن ذلك، إعادة تغليف بنود خطة سبق لحماس أن وافقت على مبادئها الأساسية (ورفضها نتنياهو وعصابته) ومحاولة بيعها للعالم والعرب والفلسطينيين، وكأنها مبادرته الشجاعة والنزيهة، لوقف الإبادة التي رعاها سياسيا وأمنيا وماليا بنفسه منذ 8 شهور، ولا يزال.
فإذا كان "الدم الفلسطيني" لطخ وجوه بايدن ورجالات إدارته وأحرجهم في مؤتمراتهم وجامعاتهم وخطاباتهم وتجمعاتهم الانتخابية، وأكل من رصيدهم شعبيا، فإن الرهان الآن، وقد انقضى زمن كاف لنتنياهو لجلب "صورة نصره"، تحويل "المجزرة" إلى فرصة عبر صناديق الاقتراع.. لنيل "صورة نصر" لبايدن وعصابته.