عماد مرمل - خاص الأفضل نيوز
من المؤكد أن اغتيال القائد الميداني في حزب الله طالب سامي عبدالله (الحاج أبو طالب) هو نجاح للعدو الإسرائيلي في سياق السجال العسكري - الأمني الذي يدور بينه وبين المقاومة في لبنان منذ بدء معركة إسناد غزة في 8 أوكتوبر.
لكن هذا النجاح هو من النوع الموضعي والتكتيكي الذي ينتهي مفعوله سريعا ولا يترك أي أثر على الجانب الاستراتيجي من المواجهة. بل إن دروس التجربة في هذا المجال تثبت أن السحر غالبا ما ينقلب على الساحر وأن مفاعيل اغتيال القادة ترتد في معظم الأحيان سلبا على العدو نفسه، لأن جسم المقاومة ليس قادرًا وحسب على إنتاج بدائل بالفعالية نفسها وإنما هو يصبح كذلك أكثر تحفزا واندفاعا كلما فقد أحد رموزه، وذلك انطلاقا من عوامل معنوية وعقائدية لا يستطيع الاحتلال أن يفقه أهميتها المحورية بالنسبة إلى أولئك الذين يقاتلونه.
ثم إن حزب الله الذي صقلته التجارب والخبرات منذ تأسيسه بات اليوم مؤسسة حقيقية تمتلك دينامية ذاتية، بحيث لم يعد يتأثر بغياب الأشخاص حتى لو كانت أدوارهم وازنة ونوعية، وبالتالي فإن القريبين منه يؤكدون أن ليس هناك من لا يمكن تعويضه في مسيرة تتطلب تضحيات كبيرة، "وهذا ما أثبته الحزب وهو في بداياته حين كان لا يزال طري العود فكيف بعدما تطورت قدراته وتركيبته مع مرور السنوات والاختبارات."
ويكفي للدلالة على هذه الحقيقة أن حزب الله تضاعفت قوته بعد اغتيال أمينه العام السابق السيد عباس الموسوي وحلول السيد حسن نصرالله مكانه، بينما كان العدو يفترض أن قتل الموسوي سيشكل ضربة قاصمة للحزب من شأنها إضعافه وزعزعته.
وانطلاقا من المفاهيم السائدة في صفوف المقاومة، فان قادتها وعناصرها مهيئون بطبيعة تكوينهم للشهادة ومستعدون لها، ولذا فإن الاستشهاد عند حصوله يكون جزءا طبيعيا من هذه الثقافة، ما يسهل احتواء آثاره الجانبية ومن ثم تحويله طاقة إضافية، وفق ما يلفت القريبون منه.
لكن هذا شيء والتدقيق في أسباب تمكن العدو من خرق أمن المقاومة شيء آخر، إذ إن اغتيال الحاج أبو طالب، على الرغم من الإجراءات الاحترازية المتخذة ليس أمرا بسيطا، الأمر الذي استدعى من حزب الله إجراء تحقيق "صامت" في ملابسات ما جرى لمعرفة الثغرة التي استطاع الاحتلال النفاذ منها لتنفيذ عمليته، ومن ثم محاولة سدها بالترافق مع تعزيز التدابير الوقائية المعتمدة، علما أن المعركة الأمنية - الاستخبارية الصاخبة التي تدور بين العدو والمقاومة لا تقل شأنا عن تلك العسكرية - القتالية، وقد استطاعت الأدمغة المتخصصة في الحزب أن تقلص الفجوة أو المسافة مع العدو في هذا الإطار على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي يملكها.
ويبدو واضحا أن العدو يعتمد كثيرا في المواجهة الحالية مع الحزب على سلاح الاغتيالات وذلك للاعتبارات الآتية:
_ تعويض عجزه عن شن حرب شاملة على لبنان والحزب، فتأتي عملياته الأمنية كبديل أو بدل عن ضائع.
_ محاولة تهدئة خواطر المستوطنين الذين يتهمون حكومتهم بعدم قدرتها على حمايتهم وإعادتهم الى مستعمراتهم في شمال فلسطين المحتلة.
_ التخفيف من وطأة الضربات النوعية والموجعة التي تنفذها المقاومة ضد أهداف للعدو.
_ خوض محاولة ولو بائسة لردع المقاومة ودفعها الى مراجعة خيارها بإسناد غزة عبر جبهة الجنوب من خلال رفع كلفة هذا الخيار عليها.
ولكن صار محسوما أن المقاومة لن توقف عملياتها عبر الجبهة اللبنانية ما لم يتوقف إطلاق النار في غزة، مهما اشتدت الضغوط عليها، ولذا فإن ما يفعله العدو وبعض الموفدين الدوليين ليس سوى مضيعة للوقت في انتظار أن يعترفوا عاجلاً أم آجلاً بالحقائق التي أفرزتها الأرض.