د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
يبدو أن مسعى الصين للسيطرة على الفضاء، والتقدم على الولايات المتحدة على هذا الصعيد، لم يعد مجرد هدف تطمح إليه هذا الدولة، بل تحول الى حقيقة واقعة، بعدما احتفلت بكين مؤخرُا، بنجاحها في مهمتها الأولى في العالم لجمع عينات من الجانب البعيد من القمر، متحدية بذلك الجهود الأمريكية لمنعها من اتخاذ "خطوات عملاقة" في الفضاء.
الصين وقصة استخراج الأتربة من على سطح القمر.
في 2 أيار الفائت، أطلقت الصين المسبار القمري Chang’e 6 "تشانغ آه 6 بمهمة غير مأهولة، حيث هبط على الجانب البعيد من القمر في 2 حزيران الجاري. وبحسب المسؤولين الصينيين، قامت المركبة بجمع أتربة ومواد أخرى من على مقربة من حفرة "اصطدامية" (أي ناجمة عن حادثة اصطدام ما) تسمى حوض أبولو، وهي جزء من حوض القطب الجنوبي القمري-أيتكين الشهير، والتي تعدّ أقدم وأكبر وأعمق حفرة معروفة على القمر.
وفي أعقاب انتهاء المهمة، هبط المسبار تشانغ آه 6 بواسطة مظلة كبيرة الثلاثاء الفائت في منطقة صحراوية محددة في منغوليا الداخلية. أما المفاجأة الكبرى، فقد تمثلت بعودة المسبار وهو يحمل حوالي 4.4 رطل من عينات التربة القمرية، والتي تم نقلها جوا إلى بكين ليتم فتحها.
وعليه، وبدءًا من لحظة الهبوط، أصبحت الصين أول دولة تستخرج التربة ومواد أخرى من نصف كوكب القمر غير المعروف ــــــ وهو ما يقول الخبراء إنه يمكن أن يغير قواعد اللعبة في فهم البشرية لكيفية ظهور القمر ــ إثر عودة المسبار "إلى الأرض، بعد مهمة استمرت 53 يوما.
وتعقيبًا على ذلك قال بيان تشي قانغ، نائب مدير إدارة الفضاء الوطنية الصينية، في أول تعليقات علنية لبكين منذ عودة المسبار، إن بلاده تتمتع بميزة فريدة من نوعها في نظام تعبئة جميع الموارد على الصعيد الوطني لتعزيز طموحاتها الفضائية.
وما هو الجانب البعيد من القمر؟
في الحقيقة، إن الجانب البعيد هو نصف الكرة القمرية الذي يقع بعيدًا عن الأرض. ويشار إليه أيضًا باسم "الجانب المظلم"، ليس بسبب نقص الضوء، ولكن لأن العلماء لا يعرفون سوى القليل عن هذا النصف.
من هنا، أشار كارستن مونكر، أستاذ الكيمياء الجيولوجية بجامعة كولن في ألمانيا، الذي تقدم بطلب للحصول على عينات تم جمعها بواسطة مسبار سابق، إلى أن العينات الأولى من الجانب البعيد للقمر "مثيرة للغاية" و"قد تحكي لنا قصة جيولوجية مختلفة تمامًا".
وفي حين "غطت البعثة الصينية مواقع لم يتم استكشافها من قبل. قال مونكر توجهت جميع البعثات الأمريكية والروسية إلى الجانب القريب المركزي".
أكثر من ذلك، أعلن وانغ تشيونغ، نائب كبير مصممي مهمة Chang'e-6، في حديث لراديو أخبار CRI الصيني الأربعاء الماضي، أنه سيتم تخزين جزأين من العينات بشكل دائم، بينما سيتم توزيع الجزء المتبقي لاحقًا على "العلماء في الصين والدول الأجنبية وفقًا للوائح إدارة العينات القمرية". وتبعًا لذلك دعا بيان، الباحثين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة ، للتقدم بطلب للحصول على إمكانية الوصول لدراسة العينات الجديدة.
بالمقابل، يقول الباحثون إن العينات المأخوذة من المهمة الأخيرة يمكن أن تكون "مختلفة تمامًا" عن الأتربة التي تم جمعها من الجانب القريب من القمر خلال المهام السابقة. فالمواد التي جمعها المسبار تشانغ آه 6 حاليًا من الجانب البعيد، يعتقد أنها عينات أقدم، ويمكن أن تساعد في تفسير التاريخ المبكر للقمر.
وما هو الموقف الأمريكي من هذا الإنجاز الصيني؟
أثارت الخطوات المنهجية التي اتخذتها الصين على مر السنين لتوسيع نطاق وصولها من مدار الأرض إلى القمر وحتى المريخ، قلق المسؤولين الأمريكيين، خصوصًا، وأن "برنامج أرتميس للقمر" التابع لوكالة ناسا يواجه تأخيرات تقنية ولوجستية
لذلك، يشعر المسؤولون الأمريكيون في وكالة ناسا والبنتاغون والكونغرس بالقلق إزاء التقدم الكبير الذي أحرزته الصين في استكشاف الفضاء، كون برنامجها الفضائي المدني يرتبط بشكل مباشر بجيشها، وبالتالي ترجح أمريكا أن تقوم بكين باستخدام التقنيات التي طورتها وكالة الفضاء الصينية لتحسين القدرات العسكرية.
ليس هذا فحسب، إذ يمكن لتقنيات الفضاء ذات الاستخدام المزدوج أن تساعد في تعزيز قطاع العلوم والتكنولوجيا في الصين، فضلا عن تحديث جيشها، وفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية. كما يساعد التقدم الصيني في مجال الفضاء، جيشها على تطوير الصواريخ وأنظمة الليزر والروبوتات التي يسمح باستعمالها للقتال في الفضاء، وذلك على ذمة تقرير للبنتاغون في 2023 عن الجيش الصيني.
المثير في الأمر، هو اعتراف بيل نيلسون، مدير وكالة ناسا، الذي قال" بأنهم جيدون (في إشارة الى الصين) للغاية خصوصا في السنوات العشر الماضية، حيث حققوا الكثير من النجاح" وأضاف " عادة ما يقولون ما يقصدونه، وينفذون ما يقولونه".
في المحصلة، في الواقع أن هذا الفتح الفضائي الجديد للصين، يعتبر إنجازًا تاريخيًا، سيجعل من بكين قوة عظمى في الفضاء وقوة علمية باعتبارها المنافس الرئيسي للولايات المتحدة في استكشاف الفضاء، لا سيما وأنها تضع خططًا لهبوط رواد فضاء صينيين على سطح القمر بحلول عام 2030، إضافة الى إنشاء قاعدة في القطب الجنوبي للقمر. وهذا بدوره سيخلق حدودًا جديدة في منافستها الواسعة مع الولايات المتحدة، والتي تشمل أيضًا رقائق الكمبيوتر والألواح الشمسية.

alafdal-news
